أثار المؤتمر الذي جمع عددا من علماء المسلمين في العاصمة الشيشانية (غروزني) في الفترة ما بين 25 و27 اغسطس الماضى لغطا كبيرا وردود افعال واسعة ليس لان هذا المؤتمر قد افضى بنا الى السؤال والتساؤل عن معنى التناقض في وجهات النظر بين المدارس الاسلامية، وهو ذات السؤال الذي عادة ما يجلدنا به الغرب فى دعاياته المتنقلة بين اربع جهات الارض من قمة التوصيف بالإرهاب الى تعريفنا فى منزلة دنيا من التخلف .. ولكن لأن مثل هذا المؤتمر هو من جاء ليحدث انقساما جديدا فى الصف الاسلامي وتحديدا بين علماء اهل السنة والجماعة حينما اختزل التمثيل فيه بطيف محدود من مدارس اهل السنة واستبعد من المشاركة بقية مكونات هذا الطيف وكأن الهدف من انعقاد هذا المؤتمر وفي تلك المنطقة النائية هو تأجيج الصراع وإذكاء نيران الفتنة بين اتباع المدارس السنية بعد ان جرى تقسيم هذه الامة الى سنة وشيعة وزرع الشقاق فيما بين مجتمعاتها والزج بها في خصومات واحتراب لا يهدآن. لا أجنح فى هذا المقال لمقاربة تخصصية في مقامات التعريف بمدارس اهل السنة والجماعة فلذلك اهله وإنما للتذكير وليس للتنكير بأن ما خرج به البيان الختامي لمؤتمر (غروزني) من توصيف لأهل السنة والجماعة بإقرار البعض والقفز على البعض الاخر انما هو بذلك قد طرح نفس الاستفهام الكبير حول توقيت ودواعي انعقاد مثل هذا المؤتمر الذى كثرت فيه المصطلحات تحت ستار حماية الدين لنسمع عن إسلام متشدد، وإسلام معتدل وإسلام وسطي وإسلام متطرف مع ان الإسلام واحد كما وصفه الرسول الكريم الذي لا ينطق عن الهوى قبيل انتقاله الى الرفيق الاعلى بقوله صلى الله وعليه وسلم : (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها) وهو منهاج يختصر سهم الحياة المنطلق من الولادة الى القبر. لقد فتح مؤتمر (غروزني) الباب لإشعال شرارة الوقيعة بين اهم فرق اهل السنة وجسّد من خلال ذلك التوصيف والتفصيل الذي ورد فى توصياته بشأن تعريف اهل السنة والجماعة على ان هناك لعبة خبيثة تصب فى خلخلة المقاييس داخل هذه الامة من خلال بعض النغمات المسمومة المفرغة والمهلكة التي ترمي في كل جوانبها وأبعادها الى بذر عوامل الفرقة والتمزق والتناحر بين المدارس السنية التي مازالت تحتفظ بقدر عال من التماسك والوئام والانسجام الديني والوئام الاخوي في مواجهة النافخين في نار الطائفية والمذهبية التي تلتهب اوجاعها في العديد من الاقطار العربية والإسلامية التى تمسي وتصبح على التراشق بالاتهامات والإدانات. وليعلم كل شريف ومخلص أن ما تحتاجه الأمة الإسلامية في هذه المرحلة ليس المزيد من الانقسامات او الصراعات المصطنعة او المفتعلة التى توسع الهوة بين أبناء الشعوب الإسلامية وإنما هي بحاجة من علمائها الى رتق ما تمزق وتضميد ما يلتهب بمضادات اصلاحية وتوفيقية تعيد هذه الامة ضمن البوتقة الواحدة تحت راية سماحة الاسلام التي تنبذ الخلاف تحت أي سبب كان وبالتالي فقد كان الأحرى بمؤتمر (غروزني) ألا يظهر كفاعل جديد في تعميق الانقسام بين مدارس وفرق اهل السنة والجماعة او أن يقع تحت تأثير حجج اغلبها وهمي وذاتي ومصلحي، والا يتستر بتلك الحجج او بأدوات سياسية عبر مجموعة من العلماء لم يدركوا ربما بأن ما ذهبوا اليه كان على قدر كبير من الخطورة حينما جعلوا من وحدة الامة مسألة ثانوية. لذلك فلا ينبغي ان تغيب عن مثل هذه المؤتمرات المراجعة المسؤولة حتى لا تمنح المبررات للاستمرار فى ضرب مفاصل مكونات التوحد الإسلامي اعتقادا من أن أطرافها (نقية) أو (معصومة) من الزلل والأهواء لكي لا نجدها ذات يوم وهي من تنزل بنقاء الدين من عليائه الى شطط النزاعات التى تمزق المسلمين الى شيع ونحل وطوائف في هذه اللحظة الصعبة والقاتمة من تاريخ الأمة.