هناك معارضة قوية ضد إعادة العلاقات مع كوبا من قبل اللوبي الكوبي في أميركا المحسوب على اليمين، والذي يعارض الحكومة الكوبية القائمة منذ ثورة 1959. وهناك أيضاً أصوات عديدة في الكونغرس تعارض التقارب مع هافانا.. في 31 آب أغسطس 2016، افتتحت الولاياتالمتحدةوكوبا فصلاً جديداً في علاقتهما، وذلك مع انطلاق أول رحلة جوية تجارية منتظمة بين البلدين منذ أكثر من خمسين عاماً. وقد انطلقت الرحلة من فلوريدا إلى مطار سانتا كلارا بوسط كوبا، على بعد280 كيلومتراً شرق هافانا. وكانت آخر رحلة تجارية منتظمة بين البلدين جرت في العام 1961 ثم اوقفت خطوط الطيران مع الحرب الباردة. وأطلقت رحلة 31 آب أغسطس برنامجاً جديداً يشمل 110 رحلات يومية، مع 90 سمحت بها الحكومتان، الى تسعة مطارات كوبية. والكثير منها في مدن سياحية أو قربها. ويمثل التطوّر الجديد مؤشرا آخر على نجاح سياسة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، القاضية بالانفتاح على كوبا، وإعادة توجيه العلاقات الأميركية مع الدول التي كانت تعتبر خصماً لواشنطن. وكان البلدان قد اتفقا، في شباط فبراير 2016، على اعادة خطوط الرحلات التجارية المباشرة، بعد تطبيع تاريخي للعلاقات أعلن في كانون الأول ديسمبر 2014. وتضمنت خطط التطبيع الجديد للعلاقات مراجعة الولاياتالمتحدة تصنيفها لكوبا كدولة راعية للإرهاب، وتخفيف القيود على سفر الأميركيين إلى كوبا، وتحفيف القيود المالية، وتكثيف الاتصالات بين البلدين، إضافة إلى جهود تستهدف رفع الحظر التجاري.. واستأنفت السفارة الأميركية عملها في هافانا في آب أغسطس 2015 بعد شهر من استئناف السفارة الكوبية عملها في واشنطن. وجرت قبل ذلك إعادة الروابط الدبلوماسية في الأول من تموز يوليو 2015.. ووقع البلدان، في ظل سياسة الانفتاح التي اعتمدها أوباما، اتفاقات تجارية في مجال الاتصالات، ورحلات طيران، وتعزيز التعاون فيما يتعلق بتنفيذ القانون وحماية البيئة، في حين ما تزال هناك خلافات قائمة بين البلدين، خصوصاً فيما يتعلق بالحظر المفروض على كوبا منذ 54 عاماً، وقد طلب أوباما من الكونغرس إلغاءه، غير أن الجمهوريين رفضوا ذلك. وفي 20 آذار مارس 2016، قام الرئيس أوباما بزيارة تاريخية إلى كوبا، هي الأولى لرئيس أميركي منذ 88 عاماً، أي منذ زيارة كالفين كوليدج عام 1928. وقال أوباما في تغريدة له على "توتير" لدى هبوط طائرته في كوبا: "متشوق لرؤية الشعب الكوبي وسماع صوته". وحث أوباما كوبا على تحسين سجلها الديموقراطي والحقوقي. وتوجه بكلمة إلى الكوبيين أعيد بثها عبر التلفزيون والإذاعة على غرار الخطاب الذي أعلن فيه في 17 كانون الأول ديسمبر 2014 من البيت الأبيض بدء التقارب بين البلدين. وخلال إعلانه فتح السفارة الأميركية في كوبا، قال أوباما: أن الوقت قد حان للولايات المتحدة لرفع الحظر عن كوبا. وأن فرض العقوبات أثبت عدم فعاليته خلال الأعوام الخمسين الماضية. و"نحن جاران ويمكننا الآن أن نكون صديقين". وكان الرئيس أوباما قد أعلن، في نيسان أبريل 2009، سياسته الخاصة بالانفتاح على كوبا، مستهلاً ذلك بمجموعة من الخطوات، الرامية لتخفيف بعض أشكال الحظر المفروض عليها. وفي ذلك الوقت المبكر، أمكن الوقوف على عوامل دافعة، وأخرى كابحة، لفرص الاقتراب الأميركي الكوبي. كان أبرز العوامل الدافعة هي: أولاً، التوّجه الخاص لإدارة الرئيس أوباما، القائل بمبدأ الحوار، واستكشاف فرص الانفتاح على من اعتبروا خصوماً. وثانياً، وجود رأي عام أميركي داعم في غالبيته للانفتاح على هافانا. وثالثاً، مطالبة الدول الرئيسية في أميركا الجنوبية والكاريبي بإنهاء عزلة كوبا، وإعادة توجيه مسار السياسة الأميركية حيالها. ورابعاً، الاعتبارات المالية الضاغطة على الدولة الكوبية. في المقابل، هناك معارضة قوية ضد إعادة العلاقات مع كوبا من قبل اللوبي الكوبي في أميركا المحسوب على اليمين، والذي يعارض الحكومة الكوبية القائمة منذ ثورة 1959. وهناك أيضاً أصوات عديدة في الكونغرس تعارض التقارب مع هافانا. وفي السابع عشر من الشهر ذاته، قال الرئيس أوباما، في الجلسة الافتتاحية للقمة الخامسة للأميركيتين، التي عقدت في بورت أوف سبين، عاصمة جمهورية ترينيداد –توباغو: "إن الولاياتالمتحدة تسعى إلى بداية جديدة مع كوبا.. أدرك أن هناك مشواراً أطول يتعين القيام به، للتغلب على عقود من انعدام الثقة، ولكن توجد خطوات سريعة نستطيع القيام بها، في اتجاه يوم جديد". وقال أوباما: "لا يمكن أن نسمح بأن نكون أسرى لخلافات الماضي.. إنني مستعد لجعل إدارتي تشارك الحكومة الكوبية بشأن مجموعة كبيرة من القضايا". وفي الثالث عشر من نيسان أبريل 2009، ألغت إدارة الرئيس أوباما القيود على سفر الأميركيين من أصل كوبي لزيارة كوبا. وسمحت بتحويل الأموال إلى عائلاتهم وأقاربهم بدون أية حدود. كما أصبح بمقدور مؤسسات الأعمال الأميركية الحصول على إجازات لبيع الكوبيين الهواتف الجوالة، وخدمات التلفزة ومعدات الاتصال البعيدة. وقبل تلك القرارات، كان باستطاعة الكوبيين المقيمين في الولاياتالمتحدة زيارة كوبا مرة واحدة فقط في العام. كما لم يكن مصرحاً للشخص إرسال ما يزيد على 1200 دولار سنوياً إلى أفراد عائلته. ويصل عدد الكوبيين المقيمين في الولاياتالمتحدة مليوناً وخمسمائة ألف شخص. وقد فرضت الولاياتالمتحدة عقوبات تجارية على كوبا لأول مرة في العام 1962. وفي العام التالي، تم حظر سفر الأميركيين إلى الجزيرة. وخلال العقود اللاحقة جرى تعديل قراري الحظر، وعلقا من وقت إلى آخر. وفي العام 2000، وافق الكونغرس على تصدير الغذاء والدواء إلى هافانا، إلا أن الصادرات الكوبية إلى الولاياتالمتحدة لا تزال محظورة. وفي بداية التوجهات الجديدة، وصل العاصمة الكوبية هافانا، في الرابع من نيسان أبريل، وفد من الكونغرس الأميركي، مكون من سبعة أعضاء ديموقراطيين، برئاسة باربرا لي. ألتي قالت: "نحن هنا لنعلم ونتحدث، ولنرى ما إذا كانت هناك أية قضايا نحتاج أن نوصلها لحكومتنا عند العودة". وقالت لي، بعد عودتها إلى واشنطن: "اعتقد شخصياً، كما يعتقد أعضاء الوفد الآخرون، أن من مصلحة الولاياتالمتحدة إقامة علاقات طبيعية مع كوبا". وحسب مقال، نشره الموقع الالكتروني لصحيفة (جوفينتود ريبلده) الكوبية، فقد قال الزعيم فيدل كاسترو للوفد أن أوباما "يستطيع أن يستغل مواهبه في إيجاد سياسة بنّاءة تنهي الحصار والمقاطعة.. إن بلادنا لا تشكك بمدى صدقه، ولا بآماله في تغيير سياسة الولاياتالمتحدة". وكانت العلاقات بين البلدين قد تحسنت بعض الشيء خلال رئاسة كل من جيمي كارتر وبيل كلينتون، إلا أن هذا التحسن تبدد عندما سمح فيدل كاسترو لنحو 25 ألف كوبي بالفرار إلى الولاياتالمتحدة في العام 1980. وتبددت مرة أخرى في العام 1996 عندما أسقطت مقاتلات كوبية طائرتين قبالة الساحل الكوبي، كان يقودهما منفيون كوبيون. وفي نهاية فترته الرئاسية، سمح الرئيس كلينتون، بإرسال مبيعات غذائية ودوائية إلى كوبا. بيد أنه منع أي تمويل عام أو خاص لهذه المبيعات. وطُلب من الكوبيين أن يدفعوا نقداً مقابل الحصول على أية واردات غذائية، حيث أبدوا استعدادهم لذلك. وأثار هذا التطوّر اهتمام القطاع الزراعي الأميركي، إلا أن نجاحاً مهماً في هذا الاتجاه يتطلب تمويلاً من المصارف الاميركية، وهو الأمر الذي لم يسمح به القانون الأميركي. وسعى أعضاء مجلس الشيوخ، من الولايات الزراعية، مثل كنساس ونبراسكا ونورث داكوتا، لإصدار تشريع لإجازة هذا التمويل. وتم تضمين ذلك في مشروع قانون عرض على مجلس الشيوخ، في أيار مايو من العام 2002. وقد تمت الموافقة على القانون، إلا أنه رفض بصعوبة من قبل مجلس النواب. وفي ضوء توجه إدارة الرئيس أوباما، حصلت شبكة ستاروود الفندقية مؤخراً على موافقة وزارة الخزانة لافتتاح فندقين في هافانا، لتصبح بذلك الشركة الأميركية الأولى المتعددة الجنسيات التي تدخل كوبا منذ عام 1959. ولا تزال الولاياتالمتحدة تحظر على مواطنيها زيارة كوبا كسياح. بيد أن الطيران مسموح في 12 فئة أخرى، بما يشمل التبادل الثقافي والتعليمي. وستسمح الرحلات الجديدة، التي أطلقت في نهاية آب أغسطس 2016، بحركة أكبر للأشخاص والبضائع وتبادل الافكار والمعلومات بين البلدين. وفي العام الماضي، زار كوبا 3,5 ملايين سائح، بينهم161 ألف أميركي. بيد أن هذا العدد ارتفع الى 77% من أرقام عام 2014، ويتوقع حالياً أن يصبح الأميركيون مكوناً رئيسياً في نمو صناعة السياحة، لكي يصل العدد بحسب التوقعات إلى 6,8 ملايين زائر في العام 2018. وكانت كوبا قد بدأت في العام 2011 منهج تحرر تدريجي للغاية، حيث سمحت للمؤسسات الخاصة بالازدهار في بعض القطاعات، سيّما تلك المتعلقة بالسياحة، مثل المطاعم،"فإما أن نغير مسارنا أو سنغرق" – كما قال الرئيس الكوبي راؤول كاسترو. كذلك، تم إنشاء منطقة للتجارة الحرة في ميناء مدينة مارييل الصغيرة. وتسعى كوبا هذا العام لاستقطاب استثمارات أجنبية بقيمة 8.2 مليارات دولار لتغطي 326 مشروعًا. وقد تساعد الإجراءات الجديدة لإدارة الرئيس أوباما عشرات الآلاف من الشركات العائلية في كوبا. وثمة اعتقاد، بأن ذهاب المزيد من الأميركيين الكوبيين، وتدفق المزيد من الأموال، سوف يعني ازدهاراً للنشاط الاقتصادي في أنحاء البلاد. وما يُمكن قوله خلاصة، في سياق هذا الايجاز، هو أن سياسة الرئيس أوباما تجاه كوبا قد أثبتت نجاحها على نحو لا يرتقي إليه أدنى شك. وإن العلاقات الأميركية - الكوبية أضحت تمثل أحد متغيّرات السياسة الخارجية الأميركية، وهي عامل تعزيز للأمن والاستقرار الإقليمي، بموازاة كونها حاجة مشتركة للشعبين الجارين. وهي تشير، في دلالاتها الأبعد مدى، إلى صوابية سياسة الانفتاح والتعددية في العمل الدولي، واعتماد الدبلوماسية الوقائية كنهج لتجاوز معضلات تراكمت على مدى سنين طوال، وأفرزها مناخ عفى عليه الزمن. 1303