تربط المملكة والصين علاقات استراتيجية شاملة تتخذ مساراً تصاعدياً من منطلق الثقة والاحترام المتبادلين، والمصالح المشتركة، إلى جانب تعزيز مجالات التعاون في مجالات عدة تبرز أهميتها في رغبة قادة البلدين على تقوية الشراكة سياسياً اقتصادياً وثقافياً. العلاقات السعودية – الصينية تأسست على المستوى الدبلوماسي منذ عام 1990، وذلك امتداداً للعلاقات التاريخية التي ربطت الصين بالمنطقة عبر طريق الحرير سابقاً، وقد دوّن الكثير من الرحالة الصينيون انطباعاتهم بعد زياراتهم في دلالة على تجذر العلاقات بين البلدين التي تمتد إلى 74 عاماً حين قررت الرياض في العام 1939م تسهيل الطريق نحو علاقات سياسية مع بكين، هذا القرار استغرق ستة أعوام قبل توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين في الخامس عشر من نوفمبر 1946م في جدة. وقد شهدت زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة في يناير الماضي توقيع 14 اتفاقية، تنوعت في مجالات الفضاء والعلوم والطاقة المتجددة، وهي في طور التطبيق ميدانياً مما دفع علاقة البلدين إلى الأمام، حيث أعلن خلال الزيارة رفع مستواها إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة رفيعة المستوى، من المتوقع أن يتم تحديد موعد الدورة الأولى لها خلال الفترة القريبة القادمة، الاتفاقيات ال14 تنوعت وشملت مجال الطاقة، والتعاون الثنائي بين مؤسسات البتروكيماويات حيث تحتضن مقاطعة فوجيان مشروعاً مشتركاً منذ أكثر من عشر سنوات، كما تم افتتاح مصفاة ينبع أرامكو سينوبك للتكرير، إضافة إلى مشروعين تابعين لسابك داخل الصين. الزيارة الأخيرة عكست من خلال الأرقام والحقائق مدى عمق وثبات العلاقة، وبينت سعي البلدين للانطلاق في طريق الشراكة لتحقيق أهدافهما الوطنية، ورفع مستوى العلاقة اعتمد على المنافع الاقتصادية المتبادلة كأساس يستند عليه في سوق مشتركة ما زالت تجذب المزيد من الشركات في كلا البلدين. المنظور الجديد للعلاقة بين البلدين جاء تحديثاً للأسس التي نشأت عليها منذ عقود، وتبقى الجوانب الاقتصادية الأبرز خاصة في ظل نشأة قطاعات جديدة وأسواق محلية في كلا البلدين، تعمل على جذب المزيد من رؤوس الأموال، إضافة إلى خلق العديد من فرص العمل للمواطنين. اقتصادياً، تعد المملكة أكبر شريك تجاري للصين حيث تظهر البيانات والأرقام الرسمية استمرار نمو العلاقات التجارية وتعمقها بين عام واخر حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين الى 52 مليار دولار أمريكي، مقارنة مع 10.3 مليارات دولار أمريكي لعام 2004، وقد تضاعف هذا الرقم أكثر من سبع مرات خلال عشر سنوات، فيما تصدر المملكة 50 مليون طن من البترول الخام وبذلك تعتبر المصدر الأول للصين من النفط. وبالنسبة لقيمة صادرات المملكة الى الصين فقد بلغت 48.5 مليار دولار، في 2014 وهي أحدث البيانات المتوفرة، في حين بلغت واردات المملكة من الصين نحو 20.6 مليار دولار، وما زالت المملكة تحافظ على مركزها كأكبر مزود للنفط الخام إلى الصين، حيث صدرت 49.67 مليون طن من النفط الخام في عام 2014. ويعتبر النفط والغاز الطبيعي من أهم ركائز العلاقات الاقتصادية بين الصين والمملكة، فعلى الرغم من أن معدل النمو الاقتصادي الصيني في الفترة الأخيرة قد انخفض إلا أن الصين استمرت بشراء كميات كبيرة من النفط الخام لملء خزاناتها الاحتياطية، وترغب المملكة في أن تحافظ الصين على مكانتها كأكبر بلد مستورد للنفط السعودي، في ظل تنوع الواردات الصينية من الطاقة وثورة الغاز الصخري في الولاياتالمتحدة. الشركات الصينية في المملكة عملت على انجاز عدد من المشروعات الكبيرة، أبرزها مشروع قطار المشاعر المقدسة والذي تم إنجازه بطول 18 كيلو متراً ويحتوي على 9 محطات توقف، وعملت على تنفيذه إحدى الشركات الرائدة في مجال السكك الحديدية، وتم الانتهاء من المشروع خلال المدة المتفق عليها وبالجودة المطلوبة وفقاً للعقود، كما أن هناك مشاريع لبناء مدارس ومستشفيات. كما تجدد خلال الآونة الأخيرة الحديث عن المفاوضات حول إنشاء منطقة حرة بين الصين ودول مجلس التعاون، والتي بدأت منذ سنوات وتوقفت لفترة، وتم استئنافها بداية العام الجاري، في دلالة على حرص الجانبين للوصول إلى اتفاق، ومن المقرر أن تعقد جولة المفاوضات قريباً، على أن يتم الاتفاق على إقامة المنطقة الحرة نهاية العام الجاري، يأتي ذلك في الوقت التي تنطلق المملكة في طريقها لتحقيق رؤية 2030 والتي تعتبر فرصة مؤاتية للتعاون مع الجانب الصيني، حيث أنها تلتقي مع مبادرة صينية مشهور هي مبادرة «الحزام والطريق» والتي تعمل الصين في وقتنا الحالي على حشد الأفكار لتطويرها، وقد بدأت الصين في محادثات مع أكثر من 60 دولة وقد وافقت 40 منها على اتفاقية تنفيذ المبادرة. تاريخياً، تضرب العلاقات السعودية الصينية جذورها في أعماق التاريخ، فقد تواصل العرب والصينيون منذ قرون عديدة، ففي القرن الأول قبل الميلاد وصل البحارة والتجار العرب إلى جنوبالصين، وازدهرت الحركة التجاري، واستمر التبادل الحضاري والتجاري بين الجانبين بعد أن تعرف جزء من الشعب الصيني على الثقافة العربية وعلى الحضارة الإسلامية، ودخلوا في الإسلام، وحملت التجارة الإقليمية طابعاً ثقافياً وحضارياً أثر في تاريخ الشعبين العربي والصيني وترك بصمات عميقة على حياة الناس وثقافتهم وذاكرتهم الاجتماعية. وفي العصر الحديث تعاطفت الصين مع القضايا العربية، وكانت من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، ودعمتها في سائر المحافل الدولية، واستمر تبادل السلع والتجارة بين الجانبين السعودي والصيني، حتى قبل قيام العلاقات الدبلوماسية، حيث غاب التواصل الدبلوماسي في الفترة الممتدة من 1949 وحتى 1979م، وكانت العلاقات مستمرة بين البلدين في ثلاثة اتجاهات، أولها بدء عودة أول قوافل للحجاج الصينيين في نهاية السبعينيات، وثانيها فتح طريق صادرات البضائع الصينية إلى المملكة في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وثالثها وليس آخرها عودة العلاقات الرسمية السياسية بين البلدين بشكل فاعل وقوي عند عقد توقيع تأسيس شراكة سياسية واتفاقية تفاهم بين الرياضوبكين في 21 يوليو 1990م. وكانت الاتفاقية تروم تحقيق دعم متبادل في مجال تعزيز أمن واستقرار البلدين. وفي الفترة بين 1991 و1998م شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً تلخص في 16 زيارة واتفاقيات تعاون رفيعة المستوى في مختلف المجالات، لتتوج بزيارة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، حين كان ولياً للعهد في 1998م، لتعد حينها الزيارة الأعلى مستوى من ناحية الوفد الرسمي للجانب السعودي إلى الصين، وهي الزيارة التي وصف فيها الملك عبدالله الصين: "أفضل صديق للسعودية". وكانت زيارة الرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين إلى السعودية في 1999م هي الأعلى من الجانب الصيني، وفي 2006م كانت الصين أبرز محطة ضمن جولة خادم الحرمين الشريفين إلى الشرق الآسيوي، والعام 2014 احتضنت بكين قمة سعودية – صينية خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله – إلى الصين حين كان ولياً للعهد وتم خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات، من بينها برنامج للتعاون بين وزارة التجارة والصناعة في المملكة والهيئة العامة لرقابة الجودة في الصين، وتوقيع مذكرة تفاهم بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في المملكة وإدارة الفضاء الوطنية الصينية للتعاون في علوم وتقنيات الفضاء، ومذكرة تفاهم بشأن مساهمة الصندوق السعودي للتنمية في مشروع إنشاء المقر الجديد لجامعة ليوليانغ بمحافظة شنسي الصينية، إضافة إلى اتفاقية التعاون في تنمية الاستثمار بين الهيئة العامة للاستثمار في المملكة وهيئة تنمية الاستثمار التابعة لوزارة التجارة في الصين. ولي ولي العهد والرئيس الصيني في لقاء سابق