السؤال المطروح بقوة هو عن موقف دول الخليج من هذا الحلف خاصة وأنهم يدركون الفارق الجوهري بين الوجود الأميركي والروسي قريبا من الخليج؛ احتل الاتحاد السوفياتي وبريطانيا إيران في عام 1941م، وذلك من أجل تأمين الإمدادات النفطية اللازمة لتحالفهما ضد قوات المحور، ذلك التدخل كان إنفاذا للاتفاقية الموقعة بين فارس والاتحاد السوفياتي عام 1921م والتي تخول الاتحاد السوفياتي التدخل العسكري متى شاء لإزالة أي خطر يتخذ من أرض فارس مقرا له ويهدد أمن الاتحاد السوفياتي؛ والخطر آنذاك كان الملك رضا شاه، فعزله الروس ونصبوا ابنه محمد رضا شاه بهلوي. ولا يبدو أن روسيا الاتحادية قد وافقت على انعتاق إيران من تلك المعاهدة، ولذلك يتشكل في الأفق حلف غير مستغرب مكون من روسياوإيران. أما الغريب في الأمر فهو حرص تركيا على أن تبدو جزءا من الحلف الذي يتنافى مع سياساتها المعلنة، فلماذا؟ الواقع أن فظاظة الأميركيين في دعم المسعى الكردي للاستقلال من جانب، وشكوك حكومة العدالة والتنمية في تورط أميركي في الانقلاب الفاشل من جانب اخر دفعاها للبحث عن خياراتها خارج حلف شمال الأطلسي. ومن نافلة القول إن طريق تركيا لهذا الحلف ليست معبدة، وإنما تعترضها مصالح عسكرية واقتصادية والتزامات مع دول أوروبا وأميركا، ولكن في ذات الوقت لا تستطيع أن تتنازل بسهولة عن تضحيات الجيش التركي، وأن تقف في وجه إيمانه بوحدة الأراضي التركية. وربما تستطيع لاحقا بعد إعادة صياغة عقيدة الجيش التي بدأت بقوة بعد الانقلاب الفاشل وستستمر طويلا. الانكفاء الأميركي، والعمل على إسقاط الأنظمة الموالية له تقليديا أسس لحالة من الفوضى السياسية التي يراقبها الروس عن كثب، وزاد الطين بلة عدم الاطمئنان إلى مستقبل أميركا في ظل الدفع بمرشح رئاسي لا يفقه شيئا في السياسة وغير متزن وستكون في يده مفاتيح إطلاق السلاح النووي. روسيا وهي تتحرك إنما تستفيد من العجز الأميركي في عهد الرئيس أوباما، وتستفيد من البيات الموسمي للسياسة الأميركية إلى يوم 20 يناير 2017م، وهي على قناعة بأن المبالغ المالية التي ستعيدها أميركا لإيران هي ثروة يجب الاستحواذ على نصيب منها على حساب الصينيين، ولذلك فإن توقيت الروس لإعادة التوازن إلى النظام العالمي يعتبر مثاليا، وهو ما جعل تركيا ذات السياسة الواقعية تتنكر لولاءاتها السابقة التقليدية وتتجه نحو محور إيران - روسيا. ولم تنس تركيا إعادة الدفء إلى علاقاتها مع إسرائيل بما يضمن لها شعرة معاوية مع المعسكر الغربي وبخاصة الأميركي بعد أن تتضح خيارات الأميركيين تحت إدارتهم الجديدة. روسيا تعلم جيدا أن تركيا جاءت إليها مرغمة، وعاتبة في الوقت نفسه على حلفائها، إلا أن ثقتها في تركيا لا تختلف كثيرا عن ثقتها في دول الخليج التي تنظر إليها على أنها محسوبة على المعسكر الأميركي، وبذلك فإن الأسرار الكبرى لا يمكن أن تقال في حضورهم. وإذا كان الروس يضمرون عداء للدول التي وقفت ضد المد الشيوعي وحاربته حتى هزمته فإنها بكل تأكيد لم تنس الدور التركي الذي كان رأس الحربة إبان الحرب الباردة. ولذلك فإنه من الطبيعي أن تتعامل مع تركيا بحذر ولكنها في الوقت عينه تجد في استمالتها علانية، وغفران حادثة اسقاط الطائرة إغاظة لأميركا ومعسكرها، والظهور بمظهر حلف سياسي وعسكري قوي يتشكل من روسياوإيرانوتركيا. عصبة لينينغراد أو بطرسبرغ حاليا (بوتين -ميدفيدف) رأت أن الوقت قد حان لاستعادة هيبة البلاشفة، والثأر من أميركا، واستقطاب أكبر عدد من الحلفاء من معسكرها، وما من شك أن هذا الحلف سيكون موجها ضد كل من يعارض المصالح الروسية - الإيرانية في المنطقة. لقد راود سيبيريا حلم القرب من المياه الدافئة، كما أن التواجد على تخوم منابع النفط وإمداداته هو رغبة روسية تحققت بأسرع من المتوقع بسبب سوء تقدير البيت الأبيض في عهد الرئيس باراك أوباما. الأميركيون سمحوا لروسيا بأن تكون محامي الشيطان، وأن تتولى الحرب القذرة في سورية، وعولوا على هزيمتها في نهاية المطاف بعد إنهاك جميع الأطراف، بيد أن الروس استشعروا الفخ فعمدوا إلى الضربات الجوية والإقامة في المناطق الآمنة والعمل على التقرب للقبائل السورية ومحاولة جمعهم على الأسد. ربما لم يتوقع المخطط الأميركي عندما سمح للرئيس بوتين بدور أكبر أن بلاده ستقع في مأزق ترامب داخليا، كما أنه لم يأخذ في الاعتبار أن تيار الإسلام السياسي في الشرق الأوسط -الذي تراهن عليه الإدارة الديمقراطية- يشبه الرمال المتحركة ويميل حيث المصلحة، وهم بذلك نمط سياسي مختلف عما عرفته من وفاء الأنظمة التقليدية رغم أنواع الحيف الأميركي. والسؤال المطروح بقوة هو عن موقف دول الخليج من هذا الحلف خاصة وأنهم يدركون الفارق الجوهري بين الوجود الأميركي والروسي قريبا من الخليج؛ أميركا حافظت على تأمين تدفق النفط لشركائها الاقتصاديين ولم تكن منافسا في التصدير، أما روسيا فإنها تقترب من نفط الخليج بتكتل للطاقة، وستعمل على أن يؤدي تدخلها إلى رفع أسعار النفط مرة أخرى، ولن يتحقق ذلك إلا بتهديد حقول النفط أو دوله أو طرق تصديره. الخلاف الخليجي مع الروس ليس لأسباب استراتيجية وإنما طاعة وقربة إلى الأميركيين. والمبررات العقدية التي تم ترويجها سابقا من حرمة التعاون مع الروس لأنهم دولة ملحدة على عكس الكتابيين تعتبر اليوم ساقطة، فروسيا استعادت مكانتها كدولة مسيحية تعتبر مرجعية للكنيسة الشرقية. وبغض النظر عن المبررات القائمة أو البائدة فإن الواقعية السياسية تتطلب مرونة في إعادة صياغة التحالفات بما يضمن المصالح الوطنية لدول الخليج. الموقف من إيران ومن سورية واليمن جميعها تنطلق من مصدر تهديد واحد وهو ولاية الفقيه، وولاية الفقيه تسقط بسقوط سياساتها التوسعية وانفتاح إيران على العالم وبخاصة جيرانها، وإذا تمكنت روسيا من تقديم تعهدات تلجم النظام الإيراني الثوري فإن كل الملفات من وجهة نظري قابلة للتفاوض ومن ذلك أسعار النفط التي هي المشترك الرئيس بين الجميع. لا يجب أن نكون أول من يعلم بهذا التكتل الخطير، وأن نكون في الوقت ذاته آخر من يعمل معه أو ضده. 833