أكّد الباحث الدكتور فالح عبدالجبار -مدير مركز دراسات عراقية- أن معركة الموصل بين السنة والشيعة كانت معركة وجود اقتصادي وسياسي وعسكري؛ لأن الموصل بها تنوّع كبير ما بين عرب وأكراد وسنة وشيعة وقطاعات مسيحية، وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية تأخّرت شهرين بعد سقوط الموصل، وهي غير موجودة الآن على الأرض، وإنما يقتصر وجودها على الجو فقط. مشيرًا إلى وجود ثلاثة مشروعات في الموصل: الأول للعبادي، والثاني للحشد الشعبي، والثالث للأكراد؛ فمشروع العبادي يرغب في وجود حاكم عسكري للمحافظة أو الإدارة من الحكومة المركزية، ويعتمد الحشد على انتشاره السياسي والعسكري في الموصل، ويرغب في تحويل تلعفر إلى منطقة تابعة لنفوذه، أما مشروع الأكراد فيرتكز على القرار الأوروبي بحكم ذاتي للموصل. وقدم عبد الجبار في ندوة نظمها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في قاعة المحاضرات بمبنى مؤسسة الملك فيصل الخيرية في الرياض بعنوان: (معركة الموصل وما بعدها)، وحضرها عدد كبير من المتخصّصين في الشؤون السياسية والخبراء والأكاديميين وسفراء الدول الأجنبية والشخصيات العامة شرحًا للموقف السياسي والاجتماعي في العراق، قائلاً: «هناك في العراق حاليًا سبعة جيوش وثلاث دول، والقوى المجتمعية والسياسية تفتّتت، والدولة انهارت اقتصاديًا، وتدهورت الأحوال بصورة كبيرة بعد معركة الموصل، وهناك استقطاب شيعي سني واسع تقف وراءه الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران. والهوية الوطنية انهارات في العراق في الوقت الحالي بعد أن ظلّت موجودةً سنواتٍ، كان فيها السني يصوّت للشيعي في الانتخابات البرلمانية أيام الملكية، والعكس، وما يجري الآن هو نزع للهوية من السياسة، وإن كان يتمّ ببطء». وأشاد الدكتور عبدالجبار بزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الأخيرة إلى العراق، مؤكّدًا ضرورة عدم ترك العراق وحيدًا في هذا الوقت، وأن واشنطن تدعم الجيش في وجه الحشد الشعبي للحدّ من سيطرة وهيمنة إيران على العراق، خصوصًا أن الحشد مثل الحرس الثوري لإيران، مشيرًا إلى أن سمعة الجيش العراقي في بداية الصراع كانت في الحضيض، وكان الحشد أكثر وجودًا وقيمةً عام 2014م، قبل أن يتبدّل الحال، ويعود إلى الجيش وجوده وسمعته منذ عام 2015م حتى الآن، وأن تركيا تمثّل عامل ضبط للتوازن في المعادلة العراقية؛ إذ تسهم بشكل يتجاوز الحدود السياسية في دعم وتقوية بعض الفصائل. ومن جهته، أوضح الدكتور بيتر هارلينج -مدير مركز SYNAPS- أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتمد على الحشد الشعبي في بعض المهام، وأن الاعتماد على قوات غير نظامية أوجد سباقًا نحو التسلّح في العراق، مبيّنًا أن واشنطن لا تساعد الجيش العراقي بأكمله، بل تساعد جزءًا منه. وحذّر هارلينج من أن الخطر بعد معركة الموصل يتمثّل في: زيادة نفوذ الحشد ونسبه النصر إلى نفسه على خلاف الحقيقة، والعنف بين السنة والشيعة والأكراد، مشيرًا إلى أن المتطوعين في الحشد يبحثون الآن عن مكاسب سياسية، ووصف الحشد بأنه يملأ الفراغ الاجتماعي في الموصل، وأن الحكومة المركزية يشوبها الفساد والبيروقراطية. وأكّد هارلينج أن هناك أزمة هوية في العراق في ظلّ الانقسام الثقافي والحضاري والطائفي الحالي، موضّحًا أن الجيل الجديد في العراق ليس لديه انتماء إلى الهوية أو الطائفة، وأنه قبل سنوات كان هناك تواصل جيّد بين السنة والشيعة في العراق، وأن الشيعة كانوا مضطهدين في النظام السابق، وهم الآن يحاولون تعويض ذلك، وأنه لا ينتظر أحد من العراقيين خيرًا من إيران سوى الشيعة فقط، وأن هناك تخوّفًا من سيطرة الميليشيات على الدولة والمجتمع، مدلّلاً بانتشار السحر والميل إلى العلمانية في مقابل الجماعات والقوى الدينية التي تسيطر على الأرض.