صورة ضوئية من ردود وتفاعل المثقفين والإعلاميين والقراء مع شجاعة اعتذار «الرياض» بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فقد اطلعت على ما نشرته جريدة الرياض بعددها رقم 17573 يوم الخميس غرة ذي القعدة 1437ه، والذي اعتذرت منه في عددها رقم 17575 يوم السبت 3/11/1437ه، كما اطلعت على ردود الأفعال حيال هذا الخطأ في مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر) قبل الاعتذار وبعده. منهج المنافقين التشبّث بالخطأ.. التشفّي.. التشهير.. تصفية الحسابات ولي وقفات مع ذلك ، فأقول وبالله التوفيق: الوقفة الأولى: أن العصمة من العثرات، والصيانة من السقطات، منحة خص الله بها أنبياءه الكرام، لم يزاحمهم فيها أحد من البشر، بل غيرهم من الناس عرضة لارتكاب الخطأ، والانزلاق في هوة الزلل، وإنما تفاضلوا بندرة حصول ذلك من أناس، وكثرة وقوعه من السواد الأعظم، بل إن من كانت أغلاطه بحيث يأتي عليها العد، وتنتظم في سلك الحصر عُدَّ من كملة الرجال، وأشير إليه ببنان الاحترام، وانغمرت سيئاته في ينابيع حسناته، فانماعت، وتلاشت كأن لم تقع قط. الدولة أنفذ بصيرة.. واستعداؤها على المخطئ أسلوب رخيص وفجور في الخصومة الوقفة الثانية: الرجوع عن الخطأ فضيلة عظيمة، ومنقبة جليلة، ولا يخفى ما يفصح عنه من قوة الإرادة، وشجاعة النفس، وتحري الإصابة، والترفع عن المكابرة، وفي الحديث: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»، والمعهود عند المنصفين أن يكون الاعتذار والإقرار بالغلط حاسماً لمادة اللوم، ومُغلقاً لباب العتب، وقديماً قيل: الاعتراف يهدم الاقتراف. الوقفة الثالثة: كثير ممن أنكر ذلك الخبر ابتداء، ثم استمر إنكاره بعد الاعتذار منه، بمنزلة من يتشبث بالمنسوخ ويعرض عن الناسخ، ولا يخلو من أن يكون أحد رجلين: رجل وظَّف هذا الخطأ للتشفي، والتشهير، وتصفية الحسابات، وإلا فما معنى الاستمرار في الإنكار، والمخطئ قد تراجع واعتذر، أو رجل فرح بالزلة، وابتهج بالعثرة، وهذا منهج المنافقين (وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها). التزمت الجريدة بقضايا المجتمع والسير في درب الولاء للملك والوطن على مدى 50 عاماً الوقفة الرابعة: حمل الآخرين على المحمل الحسن، والتماس المخرج الصحيح لعثرتهم، خصوصاً إذا كشفوا عن عذرهم، واعترفوا بغلطهم، فلا مبرر بعد ذلك لتكلف تفسيرات جائرة، أو إلصاق تهمة شائنة، ولا يخفى ما في هذا من إعانة الشيطان على المخطئ الذي يخشى عليه أن تلجئه هذه المعاملة الخشنة إلى الاستمرار على الخطأ؛ لِمَا فاجأه من إشهار أسنة التوبيخ في وجهه، وانسلال سيف النقمة على هامته، كأن الغرض ذوده عن حوض الحق القويم، ووضع الحواجز أمامه حتى لا يعود إلى المسار الصحيح، وللأسف فقد رأينا في هذه الواقعة من طار فرحاً بهذه الخطأ، وأشرقت أسارير وجهه بهجة بهذا الزلل، ولم تتراجع فرحته العارمة بعد الاعتراف بالخطأ، والاعتذار منه، ومحاسبة المتسبب فيه، وهذا هو الفجور في الخصومة المذموم شرعاً، كما أنه مذمة عند العرب الذين قال قائلهم: إن يسمعوا سُبَّةً طاروا بها فرحاً ... مني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا الوقفة الخامسة: مناقشة الخطأ القائم، والعمل على معالجته بالأسلوب الشرعي، والأدب المرعي، هو منهج الإسلام، أما نبش الأخطاء الأخرى التي لا ترتبط به، ثم حشدها محاولة للحط من شأن صاحبها، فليس هو المنهج الشرعي لمعالجة القضايا، كما أنه ليس من وسائل تعاطي الحكماء مع الأخطاء، بل وسيلتهم التغاضي عن الزلات، ونسيان السيئة إذا قابلتها حسنة، واستبقاء المودة بقلة المعاتبة، وصدق القائل: إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... خليلك لم تلق الذي لا تعاتبه ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نُبْلاً إن تُعدَّ معايبه الوقفة السادسة: استعداء الدولة على المخطئ بعد رجوعه للحق، واعترافه بالخطأ أسلوب رخيص، فالدولة أنفذ بصيرة، وأعمق معرفة من أن ينطلي عليها مثل هذا الأسلوب المكشوف، كما أنها أكثر إنصافاً من أن تتهم بريئاً لكي يسعد المتشفون، ويشعر بنشوة الانتصار مغردون. الوقفة السابعة: من المضحك التشكيك بمن يملك الأدلة الدامغة على وطنيته، والبراهين الساطعة على ولائه ومحبته، مقابل خطأ غير مقصود وتم الاعتذار منه، وتمت محاسبة المتسبب فيه، ألا يدري هذا المشكك أن من النصح للدولة عدم استهداف من يخدم الوطن، ويبذل جهوداً مضنية في الإسهام في رقيه، والحفاظ على مكتسباته، وأن مِنْ غش الدولة، والاستخفاف بها التشكيك في ولاء أبنائها لها، وكأن المشكك همه الوحيد إيجاد عصاة لا وجود لهم في الواقع، وكفى بهذا تلاعباً واستهتاراً، فمن الجور والظلم النظر لواقعة معينة تضمنتها زاوية الجريدة، وإهمال ما تحفل به صفحاتها يومياً من اهتمام بقضايا المجتمع، والتزام بالسير في درب الولاء للملك والوطن، أفتهدم غلطة واحدة تم الاعتذار منها محاسن ما زالت الجريدة تشيدها يومياً على مدى قرابة خمسين سنة؟ الوقفة الثامنة: هذا الخطأ قد مُحِيَ بالاعتذار منه، وتلاشى بتوضيح سبب الوقوع فيه، فهل يستعد من وضع الهاشتاق إنكاراً لهذا الخطأ، لأن يضع هاشتاقاً آخر للتنويه بشجاعة جريدة الرياض في الاعتذار، والثناء على تغليبها العقل على العاطفة، وإيثارها الرجوع إلى الحق بدلاً من الإصرار على الخطأ، وهل كل من غرَّد سلفاً بالإنكار سيغرد مرةً أخرى إشادةً بهذه الفضيلة؛ ليثبت للناس أن بيده ميزان عدل يزن به الأشياء، وأنه يدور مع الحق حيث استدار، وأن المقصود إحقاق الحق، وإزهاق الباطل، لا تصفية الحسابات، والاصطياد بالماء العكر، وإنا لذلك لمنتظرون. *الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أ.د.حمزة بن سليمان الطيار*