تحفر وخزات الألم سطوراً من المحن والمعاناة في افئدتنا ويظهر أثرها على أجسادنا خلال مراحل العمر على هيئة أمراض وأوجاع يعجز الطب عن تفسير بعضها، ولا يجد الأطباء لها سبباً ظاهراً لتخلق تلك التراكمات من الألم تجارب وصراعات خفية عن أعين البشر، لكنها أخذت مكانها وبقوة داخل العقل اللاوعي لتكبر شيئاً فشيئاً وتشكل شخصياتنا وقدرتنا على التفاعل مع مجتمعاتنا بشكل ايجابي أو سلبي، أو مزيج بين ذلك، ويخضع ذلك التفاعل حسب برمجة كل منا لمعاناته وألمه، فأنت من تحدد أي من الشخصيات ستكون وأنت من يحدد قدرته على التعاطي الإيجابي والمعتدل مع من حوله. فنحن على ذلك في رأيي ثلاثة أصناف: صنف تكفيه وخزة بسيطة من الألم لتخلق منه إنساناً جزعاً بائساً يرى جميع الناس سعداء الا هو، ويتجاهل معاناة غيره ولا يراها، ويجد نفسه الوحيد المبتلى وغيره محظوظ، يرى الدنيا سوداء قاتمة تجده دائم التذمر، وبالعامية (متحلطم) يشكو الظلم وعدم الانصاف ممن حوله، ولا يتيح للأمل نافذة صغيرة يتسلل من خلالها إلى حياته، يعيش هذا النوع من الناس حالة تطرف شديدة مع نفسه أولاً فهو يلومها دائماً ويلوم من حوله ثانياً، ويتجرع الألم طوال الوقت ما لم يعد برمجة معاناته وأوجاعه النفسية. والصنف الثاني يتصارع عنده الألم والأمل فيحزن وينزوي لفترة من الزمن ثم يعود ليمارس حياته الطبيعية متذكراً أن مع العسر يسرا، كما في كتاب ربنا يحاول كل فترة ترميم بنائه النفسي الداخلي بالتسلية أحياناً وبزجر نفسه أحياناً أخرى، حتى لا يركن للاستسلام والكآبة، فينظر إلى من حوله ويتذكر قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) ولسان حاله يقول كل من حولي يعاني ولكن بطريقة مختلفة عني وهناك من هو مثلي وربما أسوأ مني، فذلك الانسان يحاول جاهداً أن يكون متزناً في نظرته لمعاناته والمه، يخلط الألم بالأمل ويتناسى، ويتيح للأمل فرصة تزهر أوراقه في قلبه، وتخضر ربوعه بالرجاء برب كريم، وفي اعتقادي هذا النوع هو ما عليه الأغلبية والسواد الأعظم من الناس. وصنف الثالث نستطيع تسميته النوع المثالي، وهم قلة من الناس يقابلون آلامهم بالصبر والتفاؤل والأمل مستبشرين بقوله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) هم يؤمنون تماماً أن كل إنسان على وجه البسيطة مبتلى، إما في نفسه بالأمراض أو بفقد الأحبة أو بالفقر والحاجة، ورغم ذلك هم يتمتعون بنظرة إيجابية تجاه من حولهم، ومتصالحون مع ذواتهم، ويؤمنون أن كل ما أصابهم خير خصهم الله به. يتبقى علينا أن نعرف أننا مختلفون في مشاعرنا، وفي قدرتنا على تحمل الألم، ولكن لنقف قليلاً ونتفكر: هل الاكتئاب والأحزان والنظرة السوداوية للدنيا ومن فيها ستعيد السعادة لقلوبنا؟ إذاً لننعش ارواحنا بالأمل علها تورق أوراقها الذابلة ونتمثل قول الشاعر: أنَّ للآمالِ في أنفسِنا .. لذةً تنعشُ منها ما ذَبلْ لذةٌ يحلو بها الصبرُ على.. غَمَراتِ العيشِ والخَطْبِ الجللْ