رحم الله العالم الجليل مصطفى سويف، الذى رحل عن عالمنا أخيراً، تصحبه آيات الشكر والعرفان، ومحبة أجيال عرفته، وحملت له جميل وفضل ما تعلمت على يديه، وفي مدرسته من علم ومعرفه عبر سبعين عاماً كان خلالها عالم النفس والعلوم الاجتماعية، وامضى عمره كله حتى آخر أيامه لم يتوقف عن الابتكار والإضافة، والعمل على توظيف تلك العلوم لخدمة الناس في واقع الحياة، والارتقاء الاجتماعي ومواجهته لضرر المخدرات والأمراض النفسية. كان د. سويف واحداً من الجيل المؤسس لعلم النفس العربي الحديث، الذي ألف فيه ما يزيد على العشرين كتابا منها: نحن والعلوم الانسانية، علم النفس الحديث. التطرف كأسلوب للاستجابة، مشكلة تعاطي المخدرات بنظرة علمية. مشكلات منهجية في بحوث علم النفس العيادي. منذ أول القرن العشرين، كان علم النفس حكراً على أبناء الذوات، دراسة ومهنة ومستقبلاً. كانت البعثات للخارج لا تشمل إلا هؤلاء، وتشهد تلك الفترة بنبوغ الكثيرين منهم في العلوم والفنون وبقية المعارف وحين قامت ثورة يوليه 1952 أعطت الفرصة لأبناء الطبقة المتوسطة في السفر للخارج ضمن البعثات الدراسية، وحين عاد هؤلاء كانوا إضافة جديدة للتعامل مع مشكلات الواقع من خلال ما تعلموه من علم نفس جديد، طبقوا نظرياته بأمل تغيير مجتمعهم وأحواله، وخاضوا مشكلات الوطن الاجتماعية بهدف الكشف عن مشكلات المجتمع، وأسباب ما نعيش فيه من ركون واستسلام لثبات الماضي الرازح. كان مصطفى سويف واحداً من هذا الجيل من العلماء الذين درسوا في الخارج، وعادوا الى أوطانهم بطموح التغيير والارتقاء. بدأ العمل بالجامعة، وعبر عمر طويل من الجهاد، وبذل الفكر، واستخدام أحدث اساليب علم النفس، والنظر إلى مشكلات مجتمعه باعتبارها الهدف في الاصلاح والتغيير. كان سويف أحد الذين قدموا أسلوباً جديداً في الدرس بين طلابه. يقول أحد تلامذته د. عبدالمنعم شحاته عن دوره ومنهجه واختياراته. اتسم طوال عمره بالانضباط فكنا نضبط عليه الساعة. كان متابعاً لأحدث المناهج في علم النفس لا يألوا جهدا في الحصول على معارفه بكل وسائل البحث والمعرفة. كانت مواقفة سنوات ممارسته الدراسة في الجامعة تتصف بتواضع العلماء، وحسن الاصغاء والأداء المنضبط، المبتكر. كما كان يتميز بصفة الفصل بين الأدوار وإبراز الاختلاف فيها، واتصف بالتجرد فلم يسع لمنصب، أو يبحث عن دور، ولكنه أمضى عمره يعمل لوجه العلم والحقيقة. كان عليه رحمه الله، يحترم الوقت، ويدير الجهد بمهنية تساعد على الانجاز، وكان يتصف بالموضوعية واحترام العقل وانجاز الآخرين في العلم. كما أنه قضى حياته كلها حريصاً على ممارسة عمله بمسؤولية اجتماعية محافظا على القيمة، والفعل الإيجابي. كانت الفلسفة من الأدوار المهمة في حياة العالم الجليل، استخدمها مع تخصصه في علم النفس لينجز مشروعه الكبير وهو "علم النفس الاجتماعي" و"علم النفس العصبي"، ودوره المهم كمعالج سلوكي متميز، وتكليفه من قبل هيئة الصحة العالمية بأعداد بحث حول أسهام العلوم السلوكية في إلقاء الضوء على مشكلات التشخيص، ومساهماته في العلاج النفسي مع مدمني الأفيون بمصر. كما رأس لجنة الاستشاريين العلميين بالمجلس القومي لمكافحة وعلاج الأدمان. كما أستمر د. سويف حتى آخر أيامه يشرف على الرسائل العلمية داخل مصر وخارجها، ويسهم في مناقشة رسائل الدكتوراة التي تهتم بالتذوق الفني/ كما تشهد له الدوائر العلمية بمصر وخارجها بأنه أحد المساهمين الكبار في تعريب معظم المصطلحات النفسية، كما أن للعالم الجليل فضل تعليم ثلاثة أجيال منهجية علم النفس، كما شارك بجهد لا ينسي في انشاء مركز البحوث والدراسات الاجتماعية والجنائية، وقضى حياته مقاوماً لخطر المخدرات وتعاطيها وإحرازها وأضرارها على الفرد والمجتمع. لقد عاش العالم مصطفى سويف قريباً جداً من الفقراء والمهمشين، قريباً من أماكن علاجهم، يمارس عمله كعادته بتلك الدقة وذلك الوضوح. كما كانت أسرته الكريمة موضع فخره وفخر بلده بأسهاماتها في المعارف والفنون وأحياء القيم الرفيعة. زوجته هي أستاذة الأدب العربي، والناقدة الأدبية المثقفة د. فاطمة موسى عليها رحمة الله، والتي أمضت سنوات طويلة أستاذاً للأدب العربي بجامعات المملكة العربية السعودية. وابنته هي الروائية الشهيرة على مستوى العالم، والتي تكتب بالإنجليزية أهداف سويف مبدعه الروايات المهمة والتي حظيت بحسن الاستقبال والاحترام في عالمها العربي وخارجه. رحم الله د. مصطفى سويف عالم النفس الكبير، الذي كرمته بلده، ووطنه العربي، وبعض من محافل العلم الدولي. يمضي مصطفى سويف حيث وجه الله، تاركا في الانحاء، من الجامعات المصرية والعربية، الكثير من التلاميذ الذين يقرأون على روحه الفاتحة، ويدعون له بالرحمة وسكن الجنان.