يقودنا قرار وزارة النقل بالسماح للمواطنين بالعمل بمركباتهم الخاصة في شركات سيارات الأجرة التي تعتمد على تطبيقات أجهزة «الهواتف الذكية»، وذلك بعد توصية إدارة نقل الركاب في وزارة النقل قبل عدة أشهر بحجب تطبيق أوبر وكريم لمخالفتهما النظام، إلى عدة استنتاجات ليست كلها مريحة. وأولها إن إدارة نقل الركاب لا يمكن أن تصدر توصيتها، على ما يبدو لي، لو لم ترد إليها شكاوى من أصحاب المصالح المرتبطة بهذا القطاع وهي شريحة واسعة جداً. الا إنه يمكن أن نميز ضمنها فئتين رئيسيتين هما: مستخدمو سيارات الأجرة من المواطنين والمقيمين والمسافرين من جهة، والمستثمرون الذين تعود إليهم تلك السيارات من جهة أخرى. ومثلما نرى فإنه من غير المنطقي أن تعترض الفئة الأولى على خدمات النقل الذكية. لأن التنافس بين مقدمي الخدمات يصب في مصلحتها. وعلى هذا الأساس فإن الفئة الثانية مرشحة أكثر من الفئة الأولى للتقدم بالشكوى لأنها هي المتضررة بالدرجة الأولى. فسيارات النقل الحديثة صارت تزاحمها وتأخذ نصيباً ممن كان أصحابها وحتى وقت قريب يحتكرونه لأنفسهم. فإذا صح هذا الاستنتاج فإن ذلك معناه أن الحالة المزرية التي تعيشها سيارات الأجرة هي ليست مصادفة ولا إهمالاً فقط وإنما نتيجة لوجود فئة من المنتفعين تتغذى على ذلك. الأمر الآخر الذي يشد الانتباه هو حالة المرونة التي تعيشها القوانين والانظمة تارة والصرامة في تنفيذها تارة أخرى. ففي الحالة التي نتحدث عنها نرى أن القوانين لم تمنع شركات أجرة السيارات الذكية من ممارسة نشاطها. الأمر الذي ألب عليها شركات سيارات الأجرة التقليدية التي استشعرت الخطر. ولكن السماح الأخير قد جاء ليوازن بين أصحاب المصالح فأصبح من السهل على شركات الأجرة الذكية غير المرخصة تطبيع أمورها والحصول على التراخيص التي تسمح لها بممارسة نشاطها. وأنا أعتقد أن مرونة القوانين أمر مطلوب خصوصاً عندما يتعلق ذلك بنشاط جديد. وبصفة عامة فإن القوانين التي تولد ولادة ومن واقع التجربة والممارسة هي أفضل من تلك التي تأتي هكذا وبدون مقدمات فتسقط على الرأس كالفأس وتكون النتائج المترتبة عليها على العكس مما هو مقصود منها. وأين كان الأمر فمن الواضح أن قرار وزارة النقل قد فتح المجال أمام نشاط نحن في أمس الحاجة إليه. لأنه من غير الممكن أن يبقى قطاع سيارات الأجرة على النحو الذي هو عليه من التخلف في ظل النقلة التي ستشهدها المواصلات في المملكة خصوصاً بعد تشغيل مترو العاصمة الذي سوف يتنفس من خلال شبكة واسعة من المواصلات المساندة فوق الأرض كسيارات الأجرة والحافلات. إن المثل يقول: خير أن يأتي متأخراً من أن لا يأتي بتاتاً. فهذا السماح لسيارات الأجرة الذكية والذي ولد في خضم صراع أصحاب المصالح مع بعضهم سوف يصب في مصلحة الجميع، فهذه الشركات سوف تحصل على نصيبها وتلبي طلب شريحة واسعة من الركاب. كما أن سيارات الأجرة التقليدية سوف تكون مضطرة من أجل البقاء في السوق إلى تطوير نفسها وتحسين الخدمات التي تقدمها للجمهور. ولهذا فإن هناك ضرورة للارتقاء بالقوانين التي تنظم هذا النشاط وتساهم في تطوره ومواكبته الزمن.