القمة العربية التي تحتضنها موريتانيا، لا يمكن اعتبارها قمة استثنائية، لكنها في الواقع تمثل أشبه ما تكون بالقمة الطارئة، حيث انها تأتي في وقت حرج ومعقد جداً ، تمر فيه العديد من الدول العربية بمجموعة كبيرة من الأزمات السياسية، وحتى النزاعات المسلحة،التي من شأنها ان تطيح بآمال هذه الدول في غد افضل. ومع ان هناك جملة من المشكلات تواجه البلاد العربية عامة، سواء منها التي تشهد نزاعات سياسية او تلك الدول الأخرى المستقرة نسبيا، إلا ان ما يمكن قوله ببساطة، ان جميع الدول العربية تشترك في تحد واحد الآن وهو مواجهة ومحاربة الإرهاب وتداعياته، الذي بات يشكل الخطر الأبرز والأهم الذي يواجه العرب مجتمعين، لا بل يشكل خطراً حقيقياً على العالم أجمع. ولعل هذا الواقع المؤسف، هو ما دعا ويدعو دائما إلى ضرورة البحث عن سبل جدية للتعاون بين الدول العربية، مجتمعة من أجل استنباط أفضل السبل الكفيلة بالقضاء على هذه الآفة التي ضربت وتضرب أكثر من دولة عربية. وهو أمر لعله كان السبب في تفكير المملكة العربية السعودية بتشكيل ذلك التحالف الذي يضم عشرات الدول العربية والاسلامية الشقيقة والصديقة، بهدف محاربة الإرهاب والقضاء عليه واجتثاثه الذي بات لا يؤرق المنطقة فحسب، وإنما يشكل الهاجس الأكبر للعالم أيضاً. فالتحالف الذي اعلنت عنه المملكة في العام المنصرم والذي ضم نحو اربعة وثلاثين دولة معظمها إسلامية، يبين ويبرهن ويثبت استعداد هذه الدول جميعها للمساهمة في أي جهد لمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه. وهو أمر اكدته في حينه تصريحات العديد من المسؤولين في الدول المشاركة في هذا التحالف وابرزها مصر وتركيا وغيرهما من الدول المشاركة في هذا التحالف بقيادة المملكة التي اكدت وتؤكد دائما ان هذا "التحالف الإسلامي" المعلن عنه يستهدف مكافحة الإرهاب والتصدي له بكل الوسائل. حيث اكد ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء زير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في حينه ، إن التحالف الجديد سينسق الجهود ضد المتطرفين في العراق، وسورية، وليبيا، ومصر، وأفغانستان. وأضاف الأمير محمد بن سلمان أن "هذا ينطلق من يقظة العالم الإسلامي في محاربة هذا المرض (التطرف) الذي أضر بالعالم الإسلامي كله. وكما هو معلوم فان هذا التحالف يضم الكثير من الدول بالاضافة الى (المملكة العربية السعودية والبحرين، وبنغلاديش، وبنين، وتشاد، وجزر القمر، وساحل العاج، وجيبوتي، ومصر، والغابون، وغينيا، والأردن، والكويت، ولبنان، وليبيا، وماليزيا، والمالديف، ومالي، والمغرب، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، وباكستان، وفلسطين، وقطر، والسنغال، وسيراليون،والصومال، والسودان، وتوغو، وتونس، وتركيا، والإمارات العربية، واليمن). ومن هنا نرى ان انعقاد القمة العربية المقبلة هذة الأيام في نواكشوط يأتي في الوقت الذي تزداد فيه حاجة الأمة العربية والاسلامية الى سياسة واحدة وموحدة ومتماسكة وفاعلة لمحاربة الارهاب الذي ضرب الكثير من الدول ولم يستثن حتى اقدس الاماكن، كما حصل مؤخراً، في اواخر رمضان الماضي عندما لم يتورع الإرهابيون عن استهداف حتى مسجد الرسول النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الاعتداء الذي كان سيسبب وقوع مئات الضحايا، لولا فطنة ويقظة رجال الأمن السعوديين الذين تمكنوا من استباق الهجوم الارهابي ، وحصر نتائجه في اضيق الحالات. ومن المهم القول ونحن نتحدث عن القمة العربية ان نتذكر ان قمة نواكشوط مدعوة وبشكل جدي لان تضع العامل العسكري والأمنى في سلم اولوياتها، وان على القادة العرب الذي سيجتمعون في نواكشوط هذه الأيام، ان يفكروا بجدية بايجاد السبل الكفيلة باخراج المنطقة من الاتون الذي وقعت فيه في ظل تصاعد واستشراء آفة الارهاب وخطورته واتساع نطاق اهدافه الخطيرة التي فتكت بالمنطقة. ومن هنا نستطيع ان نؤكد ما قلناه في السطور الاولى ان قمة نواكشوط العربية تواجه تحديات كبرى، تجعل منها قمة أشبه بالاستثنائية والطارئة، وان ما هو منوط بها كثير وكبير ايضاً. ولعل ما يرومه الكثير من الشعوب في عالمنا هذه الايام، ان توجد الوسائل الكفيلة والمفيدة، في ايجاد حالة من الامن والأمان والاستقرار، بعد ان اكتوت بنار الارهاب والتطرف والتعصب الطائفي، دول وشعوب كثيرة، لان الارهاب أعمى لا يميز بين مكان جغرافي وآخر، او حتى طائفة وأخرى او دين وآخر، او قومية واخرى، وانما هدفه دائما التخريب والدمار وإلحاق الأذى بالناس من دون اي تمييز. ولعل ما يرومه الشعب العربي خاصة من القمة العربية المقبلة التي تحتضنها نواكشوط تحت الخيام كما أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز الذي اكد ان هذه القمة ستنظم تحت الخيام مؤكدا بذلك مقولة سابقة له ان القمة العربية يجب ان تعقد ولو تحت الخيام" حيث أعدت الحكومة الموريتانية خيمة كبيرة لتحتضن اجتماعات القمة السابعة والعشرين، بعد أن فشلت محاولاتها التسريع بأشغال بناء قاعة مؤتمرات كبيرة، في وقت قياسي بعد اعتذار المغرب عن استضافتها. ولعل هذه المفارقة تدعونا الى القول ان المطلوب هو التحرك العربي الجدي، لوضع سياسة حكيمة واحدة لمحاربة الارهاب وتطوراته الخطيرة، والنظر دائما الى المحتوى لا الى الشكل في اي آلية عمل عربي مشترك. على الرغم من أن القمة العربية جاءت في أعقاب اعتذار المغرب عن استضافتها إلا أن عقد القمة العربية في هذه الظروف المعقدة التي تمر بها المنطقة، يكتسب اهمية خاصة، لاسيما وأن أكثر من دولة عربية تعيش حالة من الفوضى والصراعات المسلحة والطائفية، وهو أمر لا يهدد امنها واستقرارها فحسب وإنما يهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها. ومع أن التجارب السابقة بالنسبة للقمم العربية لم تكن مشجعة كثيراً بسبب استمرار النزاعات والخلافات العربية العربية المزمنة مع الأسف،إلا أن المصلحة العربية تفرض علينا أن نتفاءل ولو ببصيص أمل في هذه المرحة الحالكة والحرجة من تاريخ أمتنا العربية، حيث يبدو التفاهم العربي، والعمل الجماعي بين الدول العربية، ولاسيما الفاعلة منها، طوق النجاة الحقيقي، من هذا المأزق الكبير الذي نحن فيه. ومن المؤسف أننا لو نظرنا الى حالة الواقع العربي الراهن، سنجد أن أغلب الدول العربية،إما يتخبط في نزاعاته الداخلية، او غارق في أزمات اجتماعية جمة، لعل أبرزها الفقر والبطالة والصراعات الطائفية والمذهبية،وازياد نسبة الأمية. فمن المحيط الى الخليج العربي، نستطيع ان نلمس الاف المشكلات المستعصية ،سواء كانت سياسية او اجتماعية، ولا سيما في تلك الدول التي شهدت تداعيات ما سمي بالربيع العربي. الا أن انعقاد القمة العربية سواء في الرباط او في نواكشوط، أمر مهم للغاية في هذه المرحلة، التي يغرق فيها وطننا العربي في الكثير الكثير من الأزمات السياسية والاجتماعية الخطيرة، التي بات حلها أمراً ضروريا لاستعادة الحضور العربي الفاعل على الساحة الدولية. ومن هنا كان دور المملكة العربية السعودية صاحبة الثقل الأكبر في الوطن العربي والعالم الإسلامي والاقتصادي، المؤكد على أهمية الحوار العربي العربي، من اجل تجاوز الأزمات العربية الراهنة، التي تستنزف خيرات وطاقات الأمة العربية في غير المكان المحدد لها، خاصة وأن للمملكة سوابق كثيرة في محاولات رأب الصدع بين العرب،انطلاقاً من فهمها السياسي والديني، الذي يؤكد دائما على ضرورة مواجهة المشكلات والأزمات العربية بروح التعاون والأخوة. وعلى كل ما تقدم نقول: إن القمة العربية في نواكشوط، سيكون لها أثر إيجابي، رغم أننا ندرك في الوقت ذاته أنها لن تكون الدواء السحري الشافي، وسرية النتائج، إلا ان العمل الجماعي العربي الموحد، مهما كانت آفاقه ومستوياته، يبقى أفضل بكثير من حالة التخبط التي تسود المنطقة، حالياً بسبب النزاعات الداخلية والطائفية والمذهبية التي تغذيها كما نعلم قوى خارجية، تريد الاستفادة من هذه النزاعات للهيمنة على المنطقة العربية. أخير وليس آخراً لابد من الاعتراف من منطلق المسؤولية، بأن المشكلات التي تمر بها منطقتنا العربية، ما لم يتم التصدي لها بوعي وبروح المسؤولية واليد الواحدة والفريق الواحد، من قبل كل القادة العرب، فإنها مرشحة للاستمرار والتصاعد، بشكل خطير، لا يهدد أمن واستقرار المواطن العربي والدول العربية عامة في هذا الوقت فقط، وإنما سيترك آثاره الكارثية والمدمرة على الأجيال اللاحقة أيضاً، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار، انعكاس النزاعات المسلحة التي تشهدها المنطقة على فئتي الشباب والأطفال العرب، وما ينتج عنها من ضياع حقيقي لهاتين الفئتين اللتين تعتبران الركيزة الأساسية في أي عملية بناء جدية في المنطقة.