شدد خبراء في المجال التربوي والاجتماعي على ضرورة بناء الثقة في الأبناء من خلال استعراض الرموز الوطنية وما أنجزوه في خدمة وطنهم ومواطنيهم، والاقتداء بهم لصنع أجيال تعتمد على بناء الثقة في أنفسهم، مشيرين إلى دورهم المهم في تحقيق النجاح والانجازات على مختلف الصعد، وطالبوا باستعراض الوسائل التي مكنتهم من ترسيخ قيم الإيمان بالله وحسن الظن، إضافة إلى إتاحة الفرصة لهم لتحمل المسؤولية، وطالبوا الشباب بالاقتداء بهم. وأشاد العديد من المختصين ل"الرياض" بالبرنامج الوقائي الوطني للطلاب والطالبات (فطن) الذي أطلقته وزارة التعليم والذي يُعنى بتنمية مهارات الطلاب والطالبات الشخصية والاجتماعية، وبناء الثقة فيهم، ويسعى من خلال خطته الإستراتيجية، والتدريبية، والإعلامية، لأن يكون الأول وقائيًّا محليًّا وإقليميًّا، ويهدف إلى السعي للإسهام في التحصين النفسي للطلاب والطالبات، من خلال ما يقدمه البرنامج، لوقايتهم من آفة المخدرات والسلوكيات الخطرة، والأفكار المنحرفة. ومن أهداف البرنامج كذلك تعزيز الثقة في نفوس الناشئة وتعزيز القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية في إطار تعاليم الدين الإسلامي وتكوين فرق تطوعية ومساهمة لدعم تنفيذ البرنامج، ويطلق البرنامج هذه الأيام مبادرة "تعلم وتميز" ويستضيف عددا من الرموز الوطنية لتستفيد الأجيال من خبراتها التي أسهمت في رفعة بلادنا في كافة المحافل الدولية. "الرياض" استطلعت رأي العديد من المختصين في الشأن التربوي لمعرفة أسباب ضعف الثقة في النفس وآليات تعزيزها في نفوس الأطفال. تفاعل إيجابي قال د.عبدالعزيز السكاكر: إن بناء الثقة لدى الأبناء لابد أن يتم من خلال عدة أمور أهمها إتاحة الفرص للمشاركة والتفاعل في المناسبات المختلفة، تدريب الأبناء على مهارة اتخاذ القرار ودراسة البدائل ونتائجها، وفتح آفاق واسعة للحوار والنقاش الإيجابي مع الأبناء في القضايا الخاصة والعامة، وتعزيز نقاط القوة لدى الأبناء واستثمارها إيجابياً، والاحتفال بالنجاحات التي يحققها الأبناء لتعزيز قيمة الإنجاز. وعن الآثار المتوقعة عن ذلك يشير د. السكاكر إلى أهمية المشاركة والتفاعل الإيجابي في المجتمع، ووضوح الرؤية والقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة، وبناء قيمة الإنجاز لدى الأبناء، مؤكداً على أهمية الدور الإعلامي والتربوي الذي يكمن في المساهمة في بناء الثقة من خلال الموقف والقصة، وتطبيق الأساليب التربوية في بناء الثقة وتعزيز مفاهيمها. ترسيخ القيم وبيّن د. خالد الشريدة الوسائل والطرق التي تساعد على بناء الثقة لدى الأبناء، مضيفاً من أهمها ترسيخ قيم الإيمان بالله بحيث ينشأ على مبدأ أن كل ما يمكن أن يحصل هو من عند الله، وعليه فبناء الثقة يبدأ من حسن الظن بالله، تحميله المسؤولية التي تتناسب مع سنه في أي عمل يطلب منه القيام به لأن الفراغ الدائم يشعر الأبناء بعدم أهمية أنفسهم وبالتالي ضعف شخصياتهم، وكذلك مدحهم حينما يساهمون بأي عمل ولو بكلمات بسيطة، وعدم تحطيمهم لأي سبب كان في تصرفاتهم أو نتائجهم، واختيار الألفاظ التي تشعره بأنه لو فعل كذا لكان أفضل، واستخدام أسلوب الحوار معهم في أي مناسبة تقتضي الحوار لإشعارهم بأهميتهم ودعم آرائهم أو تقويمها، وعدم إشعارهم بالرقابة الصارمة في أعمالهم لأن هذا الشعور يشعرهم بالنفور وبالتالي عدم الثقة المتبادلة، وأخيرا فإن الابن قد يفهم أحيانا أكثر من أبيه في بعض التقنيات، ولذلك لابد من إشعاره بقدراته مما ينعكس إيجابا على تعزيز الثقة في شخصيته. دور الأسرة ويشير أحمد الرفاعي -مدرب معتمد لتطوير الذات والبرمجة العصبية- الى أهمية الاقتداء بالقيادات الوطنية الناجحة، مؤكدا ان ذلك يزيد في بناء الثقة بالأبناء، كما أن للبيت دورا كبيرا لكونه يكسب المهارات التي تعكس أسلوب الوالدين في التربية، فلابد من أن يتحلى الوالدان بالثقة وبقدر من الوعي بأهميتها كأسلوب تربوي، كما ينبغي توفير بيئة خطأ آمنة للطفل، أي مكان يخطئ الطفل فيه ولا يخشى العقاب بل يعرف أنه سوف يتم توجيهه وتعليمه، والتوقف عن التحذيرات والتوجيه في كل سلوك للطفل، لافتا إلى ضرورة اعتماد أسلوب النقاش والإقناع بدلا من الصراخ والتخويف إضافة إلى التوقف عن سرد القصص المخيفة كالجن والظلام، وإعطاء الطفل بعض المسؤوليات والاعتماد عليه في تنفيذها. وأضاف في المدرسة يجب التركيز على الجانب الايجابي في الطالب وتعزيزه ومضاعفة خبرات النجاح وذلك من خلال وضع الطالب في تجارب نعتقد يقيناً انه سوف يحقق النجاح بها ثم نكافئه ونشجعه بحيث يشعر انه قادر على التعليم. واوضح أن طرح هذا المفهوم ومناقشته مع الطلاب باستمرار يساعد على تبني الأفكار المطروحة، ووصف الثقة بأم المهارات التي تساهم بشكل مباشر بتشكل شخصية الطفل وترسم ملامح المستقبل له وهناك دراسات كثيرة تؤكد العلاقة بين الثقة والتحصيل الدراسي وبين الثقة والالتزام بالنجاح فالثقة بالنفس تجعل الطالب مستقلا في تفكيره فلا ينقاد للأفكار الهدامة بل يبني شخصية لها قيم ممانعة للقيم السلبية ففاقد الثقة تابع لا يستطيع ممارسة أبسط مهارات التفكير وتتحكم به مشاعره وتجعله متسرعاً ناقماً على المجتمع والأسرة، ومندفعاً في علاقاته التي لا تستمر غالبا، والسر يكمن في قدرته على التفكير باستقلالية. وسائل تعليمية وربط د.خالد العودة عوامل زرع الثقة في الطفل بالمرحلة العمرية من 7 - 14 عاما إذ تتم خلالها عملية التعلم والتحفيز عن طريق اللعب، أما عملية التأديب والتي قد تتضمن العقاب البدني فهي من العمر 14- 21 وتتم تربية الابن من خلال اعتباره صديقا ورفيقا. فيما أشار خزعل العصيمي -منسق برنامج فطن في الزلفي- إلى أهمية عقد دورات وورش عمل للطلاب وتعليم الوالدين كيفية جعل أطفالهم يعتمدون علي أنفسهم وان تكون الرسائل الموجهة إليهم إيجابية وتعليمه ومساعدته للآخرين وعمل تمارين له عن كيفية الثقة بالنفس، ومرافقة الآباء للأبناء عندما يذهبون لعملهم أو لقضاء حوائجهم، إضافة إلى تكليف الأبناء بمهام معينة تبرز من شخصيته وتجعله يثق بنفسه، كما لفت إلى أهمية عرض نماذج للناجحين أمام الأبناء، واتباع أسلوب الحوار والاستماع إليهم وعدم القمع والسماح لهم بالتعبير عن رأيهم، ونشر روح المحبة والود والألفة بين الزوجين. عنف الأطفال وشدد خالد الغامدي -خبير نفسي- على أهمية احتواء ظاهرة العنف التي تفشت أخيرا وسط الأطفال جراء انشغال الأبوين في المنزل بسبل العيش ووسائل التواصل الاجتماعي وما نجم عن ذلك من تراجع لوتيرة الحوار بين الأبناء وأولياء الأمور، محذرا من النتائج السلبية لتفاقم الظاهرة، مضيفاً ان العنف لدى الأطفال سلوك مكتسب نتيجة لظروف بعينها، فهناك مؤشرات لوجود مشكلة عند الأبناء تجعلهم يشعرون بالتوتر، وبالتالي يتصرّفون بعنف، فنلاحظ عند بعض الأطفال نوبات من الغضب والانفعال الشديد في بعض المواقف الصعبة وغالبًا ما يعبِّرون عن غضبهم بالصراخ أو الضرب، ويتصرفون بشكل عنيف، سواء معهم أو مع إخوانهم أو مع الأشخاص الآخرين. ولفت الغامدي إلى الأسباب التي تؤدي إلى العنف والعدوانية، مضيفاً من أهم الأسباب العنف الأسري، وضعف قنوات الحوار في الأسرة أو بين الشباب والجهات المعنية بحل مشكلاتهم مع ضعف القدرة على الإقناع، لافتا الى اهمية بث برامج برامج تنمي لدى الفرد روح المبادرة والإيثار وتحث على العمل التطوعي لدى جيل الشباب الذي هو يمثل شريحة كبيرة وواسعة من المجتمع. وعن أبرز الحلول الممكنة يقول الغامدي: يجب تدريب الأطفال على عدد من المهارات كتزيين السلوك الحسن، وتقبيح السلوك الخاطئ، وإطلاعهم على الآثار السلبية والعواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على السلوك المنحرف، وتقديم القدوة الحسنة من خلال سلوكيات الأبوين، والوعظ والإرشاد الديني، إضافةً إلى اطلاع الأب على المظاهر المنحرفة في سلوك الأولاد، أو ما قد يبدر منهم من أخطاء تنذر بالانحراف، وتوجيه الأطفال لعدم الانخراط فى صداقات سيئة، وإبعادهم عن مغريات الشارع ووسائل الإعلام المضللة. وأكد أهمية الاقتداء بمن تميزوا بتحقيق النجاحات وخصوصا من الرموز الوطنية التي نفخر بها، محذرا من ما تقدمه بعض وسائل الإعلام خلال برامجها من أفلام عربية وأجنبية، يدور معظمها حول البطل العنيف أو الظريف أو متعاطي المخدرات وأفراد العصابات، مؤكدا أنه فى تلك الحالة فإن كل ما يشاهده الأبناء، غالبًا ما يتأثرون به، بل ويقلدون هذا السلوك العنيف، إذ أن مشاهدة العنف يولد لديهم بأن ذلك الأسلوب هو الكفيل بتحقيق رغباتهم وبمواجهة مواقف الحياة. الرموز الوطنية من جهته أوضح د. ناصر العريني -الأمين العام لمجلس أمناء فطن، مدير عام البرنامج- بأن مبادرة "تعلم وتميز" التي يستضيف فيها برنامج فطن عددا من الرموز الوطنية، تهدف إلى الاستفادة من رواد النجاح والتميز في المجتمع في مختلف المجالات في القطاعين الحكومي والأهلي لتقديم سيرهم وتجاربهم التعليمية والعملية ومحطات حياتهم المختلفة من خلال لقاءات حوارية تعرض أمام الطلاب على مسرح فطن مع نقل أحداثها عبر وسائل الإعلام المختلفة. وأضاف أن ذلك يأتي سعياً لتحقيق عدد من الأهداف ومنها توجيه الطلاب والطالبات إلى الاستفادة من تجارب وخبرات المتميزين والمبدعين من أبناء المجتمع وإثراء ثقافاتهم بخبرات وتجارب تفيدهم في مستقبل حياتهم. وتعزيز قيمة القدوة والنموذج الأمثل لدى الطلاب والطالبات من خلال تسليط الضوء على مسيرة الرواد والمبدعين والسعي الى محاكاتهم والاقتداء بهم، وإيجاد تواصل مثمر وبناء بين الأجيال يعزز قيم الاحترام وتقدير الرواد من قبل جيل الشباب، وإبراز جهود الدولة في توفير أسباب النجاح لأبنائنا الطلاب والطالبات من خلال تعليمهم وإبراز فرص العمل لهم واستثمارهم لها، إضافة لبناء الاتجاهات الايجابية لدى الطلاب والطالبات من خلال مهارات تقدير الوقت واستثمار الإمكانيات المتاحة وتوظيف الطاقات الإبداعية في تحقيق انجازات وأعمال متميزة تعود عليهم بالنفع، مؤكدا أن مثل هذه المبادرات التثقيفية تعزز القيم الإيجابية لدى الطلاب والطالبات وتنشر ثقافة التميز والإبداع في أوساطهم وتوجههم إلى استثمار أوقاتهم وطاقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع والفائدة ويحصنهم من التوجهات والسلوكيات السلبية وينمي خبراتهم وتجاربهم الذاتية. تشجيع وتحفيز الأطفال من شأنه أن يرفع من مستويات الثقة لديهم د. خالد الشريدة أحمد الرفاعي خزعل العصيمي د. ناصر العريني