لم يكن المكان بطبيعته، وتضاريسه، وأجوائه، وفعالياته، العامل الوحيد للجذب السياحي بمنطقة عسير، بقدر ما كان لإنسانها دور كبير في تحقيق شراكة فاعلة في صناعة السياحة ونجاح مسيرتها التنموية منذ عقود مضت. مرحباً ألف فمن على بساط الطبيعة الخضراء تلك، ومن بين الغيوم الماطرة، تتسابق عبارات الترحيب، وب "مرحباً ألف" تبدأ همة الإنسان في عسير لتقديم كل ما يرضي ذائقة الزوار، وذلك من خلال ما يمتلكه من أدوات متعددة تعتبر من أهم عوامل الجذب السياحي، منها الفلكلور والموروث الشعبي بكل فنونه وعاداته وتقاليده التي يتغنى بها إنسان عسير في كل مناسباته، إضافة إلى التنوع في الأكلات الشعبية المحلية التي تقدمها الأسر المنتجة بكل يسر وسهولة أمام الزوار في مواقع متناثرة. م. العمرة: الشباب والأسر المنتجة قدموا خدمات سياحية والهيئة تتبنى برامج لدعمهم إرث تاريخي وسياحي كما أن إنسان عسير القديم ترك إرثاً سياحياً كبيراً وهو ما نتعايش معه وبه من خلال القرى الأثرية والمتاحف الخاصة التي تعكس ما تتمتع به المنطقة من ثراء تاريخي وتراثي كبير، تبدو ملامحه واضحة على المنطقة التي تعبّر عن حضاراتها وما حفظته ذاكرة الأجيال المتعاقبة. المرأة "فنون بالفطرة" إضافة إلى فنون النقش والقط العسيري الذي قدمه الإنسان، حيث لم يتوقف عند حدود الرجل ومهامه، بل أبدعت المرأة العسيرية في مجال الرسم والفن التشكيلي والنقش إلى درجة أن نقول: "إن المرأة في عسير ولدت فنانة تشكيلية" وكانت مدرسة فن بحد ذاتها، وخير شاهد تلك المنازل التي أطلالها مازالت قائمة إلى يومنا هذا وهي تحمل في جنباتها إبداعاتها، وهذا ماجعل الدهشة تصيب الكثير من زوار عسير أثناء وقوفهم أمام تلك النماذج التشكيلية. متحف فاطمة ومن أجل ذلك استعادت فاطمة الألمعي بهمتها كل فنون النقش العسيري وسط متحف أطلقت عليه "متحف فاطمة" وهو يقع بحي الشرف جنوب غربي مدينة أبها، وكان مثالاً لهمة المرأة في عسير، حيث استطاعت أن تجمع كل اتجاهات المنطقة وفنونها في موقع واحد بات مزاراً سياحياً يستقبل الزوار والوفود، وجلبت من ذاكرة الماضي أدق التفاصيل، لفنون القَط والجداريات والنقش، وكذلك فنون الملبس والحلي لتكشف مدى العلاقة الحميمة بين سيدات عسير وفنونهن التي استنبتوها من أرض المنطقة وما تجود به من جماليات عليهن. الثمانيني "طرشي أنموذجاً" وفي المقابل ومع خطى التنمية السياحية كان الإنسان في عسير يحمل همة التنمية ليبادر بالشراكة، ومثال ذلك ماقدمه الثمانيني "طرشي الصغير" من أوائل الذين حملوا هذه الهمة في المراحل الأولى للتنمية السياحية، فعندما تم إعلان إعادة تأهيل قرية "رجال" بمحافظة رجال ألمع، عام 1405 ه لإحياء تلك القرية التي تهدمت قصورها آنذاك، شمّر العم "طرشي" عن ساعديه وهو بعمر الستين في حينها وأمضى ما يقارب العشرين عاما في البناء والتأهيل، رمم خلالها 30 قصراً كادت أن تندثر لتعود الحياة في تلك القرية وهي ممتزجة بعرق جبين الأوفياء. مساهمة شبابية ومع النجاحات الكبيرة التي حققتها منطقة عسير في مجال السياحة، انفتحت آفاق واسعة أمام العديد من شباب المنطقة الذين استغلوا المواسم السياحية في القضاء على فراغهم، وذلك بعرض منتجاتهم المحلية على أهالي وزائري المنطقة، ومع كل موسم سياحي يستثمر الأهالي في مختلف محافظات منطقة عسير أوقات فراغهم في بيع منتجاتهم الزراعية والأطعمة المُصنعة محلياً التي تشتهر بها المنطقة، حيث تستوقف مرتادي المنطقة كشكات الفواكه، والخضروات، والعسل، والحلوى، والتحف، والهدايا والألعاب، ومستلزمات الرحلات، والمنسوجات، والخصف، فاستطاعت السواعد الوطنية من شباب منطقة عسير تحويل مفهوم السياحة إلى صناعة ورافد مهم في تنويع مصادر الدخل. عامل جذب مهم وعلى ضوء ذلك أكد م. محمد العمرة مدير فرع السياحة بمنطقة عسير أمين مجلس التنمية السياحية بالمنطقة، على أن إنسان عسير بكل عاداته وتقاليده وفنونه من أهم عوامل الجذب السياحي، كما أنه شريك في تحقيق مفهوم السياحة بالمنطقة، قائلاً: "إن إنسان عسير عمل في جوانب متعددة ومهمة كان لها دور كبير في تهيئة الخدمات السياحية، فمن دور رجال أعمال المنطقة واستثماراتهم، إلى دور الشباب الذين يقومون بالعمل السياحي خلال المواسم وهذا ما حققته الخطط السياحية من إيجاد فرص عمل تقارب في كل موسم سياحي 5000 فرصة عمل في المواقع والفعاليات السياحية وجميعها تقوم على أيدي شباب عسير". الأسر المنتجة وأضاف العمرة "لما للأسر المنتجة من دور كبير في تقديم خدمات سياحية قامت الهيئة بدور حيوي ومهم في دعم قطاع الأعمال اليدوية والحرفية والتي تمثل جزءاً مهماً من عوامل الجذب السياحي والتراثي، وقد حظيت الأسر المنتجة في منطقة عسير كغيرها من الأسر في المناطق الأخرى بالعمل والتسويق لمنتجاتهم سواء بإيجادهم ضمن المهرجات والفعاليات المقامة أو إقامة فعاليات خاصة بهم في أوقات مناسبة تضمن الاستفادة لهم، وخلال العام الماضي فقط تم دعم 120 أسرة حيث بلغ مجموع دخلهم حوالي 2 مليون ريال، وهذا فقط من خلال المنظمة فاطمة الزامل والمجال مفتوح للجميع للمشاركة وزيادة الدخل. فنون تستطب الزوار وقال مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بمنطقة عسير أحمد سروي "إن هوية إنسان عسير وثقافته وما يمتلكه من تنوع في العادات والتقاليد التي أوجدها منذ زمن قديم وتعايش معها جعلته عامل جذب سياحي، فمن فنون الألوان والفلكور الشعبي الذي يتم تقديمه من خلال الفرق الشعبية التي تقبع تحت مظلة الجمعية وتشارك في الفعاليات السياحية، كشفت لنا متعة حقيقية لدى الزائر في متابعتها بكل شغف واهتمام، إضافة إلى الفنون التشكيلية التي يقدمها فنانو المنطقة وفناناتها عبر الجمعية وبرامجها الثقافية أو قرية المفتاحة التشكيلية، وهنا نجد أن إنسان عسير استطاع أن يقدم فنوناً تبهر كل الوفود والزوار". ألوان وفنون شعبية مختلفة تعدد الألوان والعادات ساهمت في جذب الزوار الثمانيني طرشي الصغير