يبدو أن إردوغان الذي قال يوماً إن تجاوز قوات الأكراد لغرب نهر الفرات أمر لن يسمح بحدوثه أصبح اليوم أمراً واقعاً، وعليه أن يتكيف معه وأن تبعات الوضع المضطرب والمرعب في بلد الجار الجنوبي بحاجة إلى انحناءة أمام تحديات بدأت تلقي بظلال كبيرة على بلاده، وعلى سياسات أنقرة في مشهد تقوده الدول الكبرى التي وجدت في المكون الكردي خير من يعينها في هزيمة "داعش" في شمال سورية (جنوبتركيا)، وأنقرة التي تراخت في معركة عين العرب "كوباني" بين الأكراد و"داعش" وأخذت موقف المتفرج تدفع اليوم ثمن ذلك باهظاً. وعلى نحو لم يكن متوقعاً ترك رئيس الوزراء بن علي يلدريم الباب مشرعاً أمام التأويلات والتخمينات بعد تصريحات أدلى بها بأن أنقرة "ستطبع" علاقتها مع دمشق، ولا يُعرف الشكل والكيفية والتوقيت لخطوة التطبيع، إلا أنها بلا شك خلطت الأوراق في أزمة كانت تحتل فيها تركيا مكانة محورية لكنّ التفاهمات بين واشنطنوموسكو لم تجرِ كما أرادت أنقرة التي وجدت نفسها بين إرهاب يضربها في الداخل وأكراد يقفون على حدودها الجنوبية، وإرث لحزب العدالة والتنمية مهدد بالضياع. ويبدو أن موسكو المتحكم الأول في الملف السوري والتي عادت العلاقات بينها وبين أنقرة مؤخراً قد اشترطت إعادة المياه إلى مجاريها بين تركيا وسورية في مقابل أن تعمل موسكو على تحجيم الدور الكردي في سورية إذا ما عرفنا أن الأكراد اليوم يملكون حظوة وحضوراً لدى موسكو التي مكنتهم من فتح مكتب تمثيلي لهم في العاصمة الروسية. عملياً فات الوقت لقطع الطريق على الأكراد الذين تحدث أحد زعاماتهم في الشمال السوري صالح مسلم بأن لا تراجع عن إقامة "روج آفا" أو غرب كردستان، لكن لم يفت الوقت على محاربة "داعش"، ولذا فلن نستغرب أن نشهد تدخلاً عسكرياً تركياً معتبراً في الشمال السوري لا سيما في حلب وربما في الموصل التي يسيطر عليها "داعش" ويتواجد على مقربة منها في قاعدة "بعشيقة" العراقية أربعة آلاف جندي تركي، وكان مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي قد أشار الشهر الماضي إلى استعداد بلاده المشاركة في تحرير مدينة الموصل من أيدي التنظيم الإرهابي. الخطوة التركية المستجدة تجاه "التطبيع" مع دمشق بحاجة إلى تفسيرات للدول الإقليمية وللمعارضة السورية التي احتضنتها أنقرة، ولعل مبادرة تجنيس السوريين المتواجدين في تركيا والتي مررها إردوغان قبل أيام، جزءٌ من مبادرة استرضاء في مواجهة خيبة الأمل.