تعتبر أوساط متابعة للملف النفطي في لبنان بأن الاتفاق الذي حصل بين "التيار الوطني الحرّ" من جهة ممثلاً بوزير الخارجية والمغتربين (وزير الطاقة سابقا) جبران باسيل وبين رئيس المجلس النيابي نبيه برّي حول تقسيم العمل ب"البلوكات" النفطية الذي سيتمّ بالتزامن بين الجنوب والشمال لا علاقة له بقرار دولي بل هو جزء من "السلّة اللبنانية" التي يحكى عنها منذ مدّة ولكن بشقّها الاقتصادي. وإذا كان لبنان متأخراً في عمليات التنقيب بسبب عدم الاتفاق السياسي الدّاخلي، فإن إسرائيل التي سبقته بأشواط عبر التنقيب في حقول عدّة وجدت ذاتها أمام حائط مسدود إذ لم تعثر على من يشتري منها الغاز بسبب عدم إمكانية تصديره الى أوروبا، وهنا يكمن سرّ المصالحة الإسرائيليّة التركية التي تنطلق من فروق أساسية بين تصدير البترول والغاز. لدى إسرائيل مشكلة حقيقية، فهي تستخرج الغاز لكن ليس لديها "زبون" لبيعه بحسب ما يقول أحد الخبراء ل"الرياض" قسم من الغاز الذي يتمّ استخراجه حاليا يذهب الى الاستهلاك المحلّي، أمّا القسم الآخر فيحتاج الى البيع، لذا قامت إسرائيل بعقد اتفاقية أساسية مع قبرص، وعبرها يذهب الى اليونان لكنّ الأمر مكلف.. ومن الأسهل أن يمرّ بتركيا. لكن المشكلة التركية القبرصية لا تزال قائمة، لذا يريد الإسرائيليون تمرير غازهم مباشرة عبر تركيّا (ولو كان الوضع سليماً مع لبنان وسورية لكانوا مرروا الأنابيب عبر أراضي البلدين) لذا سيمررون الأنابيب من قبرص الى تركيا ومنها الى أوروبا لأن الأتراك بنوا أنابيب ضخمة تأتي من البحر الأسود وتصل الى اليونان ومنها الى أوروبا. خطأ تلزيم 6 "بلوكات" لا معوقات أمام لبنان إلا داخلية، فبعد تقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة الى 10 "بلوكات"، كان الخلاف حول السؤال الآتي: هل نقدّم للمناقصة "بلوكين" اثنين أم أكثر؟ في حين أراد رئيس المجلس النيابي نبيه برّي تلزيم "البلوكات" برمّتها، أراد وزير الخارجية جبران باسيل تلزيمها تدريجيّا، وهو أمر أفضل بحسب الخبراء لأنه من غير الثابت بعد وجود الغاز في "البلوكات" برمّتها. فالشركات القادمة سوف تنقّب عن الغاز، والتنقيب هو عمليّة مكلفة جدّا. كل عملية تكلف 150 مليون دولار وقد لا تنتهي بالعثور على الغاز، وبالتالي فإنّ الشركة التي ترغب بالتنقيب عن الغاز تصرف أقلّه بين مليار الى مليار ونصف دولار على التنقيب فإذا لم تعثر على الغاز توقف عملها فورا. وبالتالي فإن أول إتفاقية يتمّ إتمامها على "بلوك" أو اثنين ستحدد مصير وسعر البقية. هكذا يرتفع السعر إذا وجد الغاز أما إذا لم يوجد فلا يسقط سعر كل البلوكات دفعة واحدة. اليوم سوف تقدّم "البلوكات" الستّة للمناقصة وهو أمر خاطئ بحسب الخبراء، لأن التنقيب دفعة واحدة ليس جيدا إذ إن أسعار "البلوكات" الباقية تزيد وتتضاعف تلقائيا في حال وجود الغاز.