كان واحداً من الحوادث الأغرب.. يوم أمس حيث قدّمت قناة الجزيرة.. ذات الخطاب المعروف.. حيث بثّت شريطاً مصوراً للإرهابي الشهير أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة يوجه خطاباً لمن أسماهم «المسلمون في بلاد الحرمين» يتحدث فيها عما صنفه على أنه خلاف بين حكام الرياض وأهل البلاد وأخذ يتحدث حول ما يسميه عصيان الله وارتكاب الكبائر وتناول ما حدث في المملكة من اصلاحات كالحوار الوطني والانتخابات البلدية.. وبثت قناة الجزيرة خطاب ابن لادن في تزامن بليد مع ما يدعو اليه ارهابي آخر من لندن هو سعد الفقيه من «زحف كبير» حسب قاموسه الحالم. ويأتي هذا التقاطع والاتفاق بين الخطابين ليثير تساؤلاً لم يكن البعيد ولكن كان متخفياً حول العلاقة الوطيدة فكرياً بلا شك.. وحركياً حسب ما ظهر بين الفقيه وابن لادن وخلفهما من أتباع من العامة والغوغاء. ويظهر التقاطع بين الموقفين في الحديث عن الاصلاحات السعودية وتصنيفها في دائرة غير المجدي ولا الحقيقي.. وهذا الطرح لم يكن حاضراً لدى أسامة بن لادن ولكنه كان حاضراً في خطاب الفقيه بالمقابل فإن التصريح بالعنف كان من سمات خطاب ابن لادن ولكنه ظهر الآن وبكثرة في خطاب الفقيه، وهذا الاتفاق والتقاطع وما يحدث الآن من تبادل للأدوار بين هذين الصوتين الخارجين إنما يوسع دائرة السؤال التي ليتجاوز الجواب حالة الشك في تواصل حقيقي بينهما الى حالة وجود دليل على ذلك التواصل. وعليه فإن المنزع واحد والخلفية واحدة فكلاهما ارهابيان.. سواء لبس أحدهم العمامة أو البدلة فإن اتحاد الرؤية لا يترك مجالاً للفروق بين شيخ أزقة لندن أو شيخ الكهوف المظلمة في أفغانستان. تحدث ابن لادن عما أسماه بمناصحة الحكومة من قبل من أسماهم بالعلماء، وهذه فكرة كثيراً ما طرحها الفقيه وخاصة في بياناته الأخيرة التي جاءت في سياق تحضيره لجيش عسرته.. «الزحف الكبير». بالمقابل فقد كثر في الآونة الأخيرة حديث الفقيه عن ما يسميه بالتحالف الخطير مع أمريكا وأنه مدعاة شرّ كبير على الأمة وهي ذات النقطة التي تنطلق منها كل خطابات ابن لادن التي يتحدث فيها عن المملكة. كذلك فلأول مرة يتحدث ابن لادن عن الأوضاع الاقتصادية حديثاً ينطلق بطبيعة الحال من تصوره الجزافي والمتهور والجاهل.. وهي نقطة لم يكن لها أي حضور في خطابات زعيم القاعدة بل كانت محوراً دائماً لصراخ الفقيه وتشنجاته المفتعلة التي نام عليها كثيراً.. فلم يكن يغفل المسألة الاقتصادية أبداً خاصة وأن في الحديث عن الأرقام فسحة للزيادة والنقصان والكذب.. ولكن الغريب والجديد هو حضور هذه القضايا لدى ابن لادن.. في دلالة على عمق وصحة فرضية التلاقي والاتفاق بين الصوتين. أمام أمر كهذا فإن مسألة التوقيت الذي ظهر فيه خطاب ابن لادن أيضاً مثيرة للتساؤل.. والذي يجعلها أكثر إثارة أن ابن لادن الذي يقدم نفسه دائماً كمناضل باسم الأمة ويتحدث عن أحوال المسلمين يخصص خطاباً كاملاً لا يتطرق فيه لأي قضية إسلامية أو عربية إلا عرضاً.. وكأن الخطاب اختص فقط بأن يأتي مؤازرة فارغة للصديق اللندني سعد الفقيه، وقد جاءت مسألة التوقيت واختصاص الخطاب واتفاقه مع خطاب الفقيه دلالة كبرى على ما يمثلانه من ارتباط وتوافق في الرؤية والأهدف.. وأنه كما الإرهاب الذي هو بضاعة ابن لادن فهو أيضاً بضاعة الفقيه، وكما أن الحديث الفارغ والكذب والاتهامات السافرة واستمالة الغوغاء سلوك دائم لدى الفقيه فهو أيضاً مادة خصبة يقتات عليها ابن لادن. لكن.. ما دخل قناة الجزيرة بكل ذلك.. وهي القناة التي تعرضت لتهم واسعة بعدم النزاهة.. ما دخلها لتتبنى الخطاب وتقوم بنشره.. ومتى وصل إليها ذلك التسجيل ولِمَ لم تبثه أو تعلن عنه أي قناة أخرى؟ وهل تعلم قناة الجزيرة أنها بذلك تمثل شراكة متهورة وغبية مع هذه العجينة الإجرامية والإرهابية بشقيها اللندني والكهفي، ولِمَ لم تفصح قناة الجزيرة عن ملابسات وظروف الشريط كما فعلت مع كل الأحداث المماثلة السابقة؟ إنها شنشنة نعرفها من قناة الجزيرة.. ولكننا وكزملاء في عمل إعلامي فإننا نعلم أن أبسط شروط الأمانة والعمل الصحفي الحقيقي لا يمكن أن يشرح بتمرير أي ما من شأنه أن يكون تحريضاً أو دعوة إلى العنف أو الفساد في أي مكان في العالم فكيف أقدمت قناة الجزيرة على ذلك؟. أسئلة ننتظر من الزملاء الإجابة عنها.. مع يقينهم هم أن باب التنبؤ مفتوح على مصراعيه.. وأن الحديث عن الرأي والرأي الآخر لا يمكن أن يكون عن طريق تبني أصوات العابثين بأمن الناس أو الساعين الى الإضرار بهم.