في بلدة القصب بإقليم الوشم منزل قديم تبدو زاويته الجنوبيةالغربية شاهدا صامدا وصامتا لكن تستنطقه مقصورة يعبر ظاهرها عن فترة زمنية قديمة جداً قدم بناء البلدة كلها، الذي يعود إلى ما قبل 400 سنة مضت، تلك المقصورة تمثل سور البلدة والحي الذي يطلق عليه (الحامي) والحامي تعني سورة البلدة وحمايتها، كما أنه - أي الحي - من أقدم الأحياء بعد حي القصر الواقع شرقه. ويطلق عليها مقصورة (الجعيثن) وقد تميزت مساكن هذا الركن بسعة المساحات بشكل واضح بخلاف المساكن التي تقع في الوسط، ولعل السبب الأول في ذلك يعود إلى عدم تقسيمها إلى وحدات سكنية أصغر، بل احتفظت بمساحاتها الأولى. ومقصورة الجعيثن هي التي عناها الشاعر حميدان الشويعر في قوله: أنا في السما رزقي ووعدي ومطلبي مهيب في صبخاً مراغة جوع تقللت عن دار وراي ومنزل وقبلتها عثو التراب كسوع فلا يا (عاير القصب الجنوبي) ليتني أشوفك من حدر السراب لموع فعاير القصب الجنوبي هو هذا المنزل الذي تمثله مقصورة الجعيثن القديمة. وقول حميدان الشويعر ليس مسبة للبلدة ولا لأهلها كما يظهر للبعض من القصيدة ولكنه - أي قول حميدان الشويعر - تعبير عن فصل من فصول الرحلة النهائية أو الجلاء الذي لا رجعة بعد حيث غادرها مرغماً وخائفاً بعد الحادثة التي وقعت بين ولده مانع وأمير البلدة هلال، التي أسفرت عن بحث الشاعر لمن يقبله لاجئاً ويركن في حمايته مع عائلته وولده مانع فلم يجد من يعينه سوى بني تميم في أثيثية الواقعة جنوب غرب القصب وهذه البلدة التي قبلته ووفت بوعدها له تقع قبالة مقصورة آل جعيثن تماماً، وهذا سبب اختيار الشاعر لهذا العاير أو الزاوية التي تمثلها تلك المقصورة، ولم يقل بلدة القصب عموماً لأنه يريد أن يحدد وجهته، ويتمنى أن يرى تلك المقصورة وراء السراب بمعنى البعد عن البلدة بأسرع ما يمكن طلباً للأمان والنجاة. ولعلنا هنا لانفصل كثيراً في تلك الدار المميزة والمقصورة المتميزة تميز تاريخها وتاريخ أهلها ومن سكنها لكن يمكن القول باختصار هي دار قديمة رائحة القدم تبدو في كل ركن منها، وسورها الجنوبي والغربي يميزها بتاريخ عريق وكيفية بناء المقصورة يعود إلى عصر مضى حيث الطبقات الطينية والجدران المزدوجة المتجاورة المتلاصقة السميكة في آن واحد، تلك الطبقات التي تثاقلت بمرور الزمن وبفعل عوامل الحت والتعرية حتى استراح بعضها على الأرض مستنداً على البقية، وكنا صغاراً نستند تحت كهوف بشرية داخل طبقاتها وكأننا داخل صدع من صدوع الجبال. إن مقصورة الجعيثن والدار المجاورة لها تحكي تاريخها وهي صامتة وربما كانت تخفي الكثير بين طبقاتها وجدرانها لم يكشف عنه نقاب بعد.