كلل الله جهود مليكنا (عبدالله بن عبدالعزيز)، بكل خير وتوفيق، وجعله يعيد لنا الريادة في الشرق كما كانت لنا الريادة في أفريقيا (رحم الله الملك فيصل بن عبدالعزيز. ورضي عنه وأرضاه). يتجه خادم الحرمين الشريفين، نحو الشرق، نحو الحضارات الأصيلة والرديفة لحضاراتنا العربية، نحو الظهر الذي كان لنا زمناً، وعبر الأجداد بحر العرب له، نحو ذلك النفس القديم في بيوتنا، وتلك الروائح الشرقية التي تتقاطر ذكرياتنا معها كلما استنشقنا عبير العود والعنبر. الشرق ذاك الساحر الأبدي الذي اتجه الناس له فغرفوا من معين الأصالة والثقافة والعلوم، الهند والصين وثقل العلم البشري والآتي عبر التقنية الحديثة، ذاك الذي أريد له النيسان وأن يرزح تحت ثقل توفير الخبز للأفواه الجائعة، فكان أن قام بدل الجوع عمالقة التكنولوجيا الحديثة، وأصبح الهند لا يصدر عمالة رخيصة إلا لدول تريد ذلك، لكنه يصدر العلم والعقول النابضة بكل جديد والتي تلاحق كل جديد وبسرعة مذهلة. الصين تلك التي حوربت بحروب كثيرة وقوطعت، انتصرت على الأفيون ونظفت ديارها منه وتجلى العقل الأصفر فانبثق المارد القوي، والأيدي التي جاعت والأجساد التي عريت ذات يوم، بدأب وصبر كبيرين قوت ذراعها، ودحرجت مقعد (تايبيه) من مجلس الأمن وأخذت وضعها الطبيعي كقوة كبرى. مادياً ومعنوياً محت سنوات الذل من استعمار ياباني وانجليزي ولت بدون رجعة، وأصبحت قوة يحسب العالم حسابها، تحكمت بطاقتها البشرية، وجعلتها تنتظم، فطفل واحد يعتنى به خير من خمسة لا يجدون مكاناً للعيش الكريم. كلل الله جهود مليكنا بكل خير. وهو يعيد للعلاقات رونقها وزهاءها، فالهند التي كانت درة التاج البريطاني تحررت من وجودها على التاج، لتضاهي أصل التاج علماً وثقافة وتطوراً. هل ممكن أن يحلم العالم بقوة جديدة لعالم جديد، قوة تتركز على الحضارات والعلم والثقافة وجذور ضاربة بالعمق الآسيوي، هل ممكن أن يقف العالم القديم بوجه حضارة الاستلاب والقيود وحرية ألا حرية. وديمقراطية الدم القادم عبر الأطلسي؟ ماذا لو فكرت آسيا بلملمة جراحها والعودة للحضن القديم وماذا لو عادت منظمة أشبه بمنظمة الحياد الإيجابي للظهور بقوة، تلك المنظمة التي كان ثقلها في ثلاث قارت: مصر من أفريقيا، وأندونيسيا من آسيا، ويوغوسلافيا في أوروبا. فهل ستبقى أوروبا تابعة لأمريكا؟ هل ترى ترجح العقل وتعود للعراقة، والعلم معاً، كما هي الهند والصين؟ كلل الله جهود مليكنا بكل توفيق، وهو يعبر للشرق، إلى البوابة الجميلة التي ولدت غاندي، فكافح حتى كانت الهند برجالاتها وناسها وعمق ثقافتها التي لم تبق تحرث في التاريخ لكنها ركضت نحو المستقبل. الهند التي طورت نفسها بنفسها، والتي يملأ فقراؤها ساحاتها، رفضت المعونات من أي نوع، حتى في الكوارث من زلازل وفيضانات وغيرها، ولعقت جراحها بنفسها مستفيدة من تاريخ العراقة فيها، فتعلمت كيف تتفوق على الجراح كما تفوقت على أكبر قوة عام 1947م حيث ولدت الهند من جديد بعد اندحار بريطانيا التي تركت الندوب والبذور النارية لتشتعل، لكن الهند كانت أقوى منها وعرفت كيف تخمدها واحدة تلو الأخرى. الهند الصديقة والظهر للعرب لم تتخل عنهم، لكنهم هم تخلو عن أنفسهم عبر أوسلو، لذا أقامت علاقاتها مع العدو الإسرائيلي، ولا يمكن أن نلومها، وكان يجب دائماً أن نكسبها ولا ندع إسرائيل تنفرد بأصدقائنا لوحدها. قبل أن أنهي المقال أذكر حادثتين جدريتين بالذكر أولاهما أن الهند العظيمة بشعبها في عهد «جواهر لال نهرو»، أطبقت في ليلة ظلماء على جزيرة (جواء) التابعة لها والمستعمرة من قبل البرتغاليين، فطردتهم ولم تذهب لأمم متحدة ولم تتباك طلباً للعون، كما طردت الشركات الأمريكية عندما أتت لتنقب عن البترول على بعد ثلاثمائمة كيلو متر من شواطئها، وقالت انها الأقرب والأحق. كمواطنة سعيدة جداً بزيارة مليكنا وباتجاهه شرقاً، سعيدة باسمنا العربي المسلم وهو ينطلق للحضارات القديمة التي كان لنا بها شأن ذات يوم، وكان هناك لنا دولة. ونعود أصدقاء بعد أن كنا فاتحين.