مع كل عام جديد، يستقطب المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية مئات الآلاف من الزوار والمهتمين، الذين يتوافدون من أجل المعرفة بهذا التراث الغني بكل معاني حياتنا الرائعة التي غرزت مفاهيم التنوع الزاخر بالتألق والإبداع، وظل المهرجان ماعون ثقافة وأداة معرفة ليس للمواطن والمقيم فحسب بل للكثير من الجماعات الإقليمية والدولية التي يحرص المهرجان على توفير التسهيلات والإقامة لهم في كنف هذه الاحتفالية المتفردة، ومن ذلك الحضور العلماء والمفكرون والمثقفون والأدباء والصحفيون والمؤرخون، حيث تحتفل بهم الساحات، يسطرون ويدونون مشاهداتهم ومن ثم يتبادلون وجهات النظر حول قضايا شتى بمختلف الأطروحات والأفكار من خلال اللقاءات الحميمة التي تختلط فيها السياسة بالأدب.. والفلكلور بالحداثة.. والرواية بالشعر.. بعد أن وفر المهرجان الأجواء المناسبة لهذه الفعاليات التي مكنت الجنادرية من أن تكون بصمة واضحة لا يمكن إغفالها بقدر ما يمكن الاجتهاد إلى السعي والوصول إليها. * وحينما وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - بضرورة الانتباه والحرص على تراثنا القومي من خلال الجنادرية، كان مدركاً تماماً بأنه لا حضارة من دون تراث، وكان - حفظه الله - أميناً وحريصاً في إبقاء هذا التراث شامخاً قوياً رغماً عن مضي الزمن وتعاقب السنوات. * وفي هذه الأيام المباركة تعيش المملكة أجواءها الوردية بين فعاليات مهرجانها الثرة، وقد نسعد جميعاً بمشاهدة ومعايشة أنشطة متنوعة لا حدود لها في كرنفال كبير يعكس تراثنا وثقافتنا المتنوعة المترعة بالإبداع قديمه ومعاصره في ظل عولمة قلبت العالم رأساً على عقب ما جعل قائد هذه الأمة يقول مخاطباً مواطنيه: «العالم من حولنا يتغير فيجب علينا أن نتغير». وقد تمخضت - عن هذه الرؤية الثاقبة - جامعات حديثة خارجة عن المألوف هدفها تعلم المستجدات لإصابة الهدف، إضافة إلى قائمة ابتعاث شباب المملكة في شتى بقاع المعمورة بدءاً من الولاياتالمتحدةالأمريكية مروراً بجامعات العالم حتى أستراليا ولم يفت على المليك أن العالم يتجه نحو فضاء أرحب وأن المستقبل مفتوح أمام هذه الثورة المعلوماتية الاتصالاتية، فكانت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في ثول وهي الأولى من نوعها من حيث المناهج والإمكانات في منطقة الشرق الأوسط. * ولا شك أن هذه الجامعة بما تمتلكه من مقومات ستساعد كثيراً في تدوين وترسيخ تراثنا القومي وثقافتنا المعاصرة ما يجعل العالم بأكمله يقف على هذا التسلسل الحضاري في خضم الثقل السياسي للمملكة في مسرح الأحداث المحلية والدولية. * ومنذ أن وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بضرورة حفظ وصون ورعاية تراثنا المجيد، ظل المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية يكبر وينمو في تنوع بديع تزخر به بلادنا الجميلة. غير أن المليك المفدى وفي ظل ما تشهده المنطقة العربية من مستحدثات مشحونة بالتوتر والاضطهاد والقتل لأبناء أمتنا المسلمة، فقد أبت نفسه الكريمة إلا أن يعبر عن هذا الواقع الأليم وذلك بإصداره أمراً ملكياً يقضي بإلغاء الأوبريت الغنائي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة لهذا العام - مع استمرار فعاليات المهرجان - تضامناً ووقوفاً مع الأشقاء من الشعب السوري وما يحدث من سفك لدماء الأبرياء وترويع للآمنين، إضافة إلى ما حدث في مصر الشقيقة من أحداث أدت إلى وفاة العديد من الأبرياء، إلى جانب ما جرى ويجري في اليمن وليبيا الشقيقتين من أحداث مؤسفة ذهب ضحيتها العديد من الأبرياء، وما مرت به تونس الشقيقة من أحداث مؤلمة. إنها النفس الأبية التي يؤلمها هذا الواقع الأليم لأمتنا العربية الإسلامية رفضاً لأن يكون هناك ما يخالف هذا الواقع داخل مظلة الجنادرية وهي تحتفل بمهرجانها الوطني للتراث والثقافة في دورته الحالية المنعقدة في ظروف عربية غير عادية. وقفة: لئن كان هذا طيبنا.. وهو طيب لقد طيبته من يديك.. الأنامل (*) رجل أعمال