يحتضن العود. أصابع غضة صغيرة يمررها بمهارة متناهية على أوتاره. يخرج الصوت شجياً، وينطلق ليغني، غناء ملتزماً، بمعايير الطرب الحقيقي. بلال، هو تكوينة طرية من محمد القبنجي، وناظم الغزالي، ربما أورثه إبراهيم الموصلي شيئاً منه، فالفتى الصغير من الموصل. عراقي، فتى لم يتجاوز الحادية عشرة. بليغ في عباراته العربية الواضحة والأنيقة كأناقته هو، ونظافة لسانه لا تختلف عن نظافة شكله، زي كامل أنيق. لا يهرج ولا ينفخ ذاته التي جعلها الله موهوبة. لا يصرخ كما يصرخ مطربو الشوارع الخلفية في الفضائيات التي للأسف تسمى فنية وعربية. ولد على ضرب القنابل فضرب على العود، وعلى الحصار فحاصر الظلم بأغانيه، على الجوع والمرض فرد على ظلم الحضارة الغربية لحضارة وادي الرافدين بعزف وفن ونقاء طفولي جميل. في داخله كان الحزن يتعمق، ويتراكم خلال عمره الصغير، فيكون لؤلؤة حاصر الرمل جسد قوقعتها فكبرت. لمعت وقاست حتى تفتق فيها الكبر واللون. بلال، فتى غنى فأبكى، غنى (مأساة بلادي).. فانحنت لموهبته هامات. (مأساة بلادي) تكاد تكون نشيداً مقاوماً، وقوياً في وجه الاحتلال. من مصر ودار الأوبرا انطلق بها. بعد أن أسمعها في العراق لبني وطنه وأهله. ثم سمعت وعرفت في بعض العالم العربي. هذا الصغير المعجزة الذي يكتب الشعر ويلحن ويعزف ويغني، يحتضنه كبار ملحني العراق، تحتضنه الآن قناة للأطفال، ويواصل دراسته. الفتى بلال، يغني للطفولة والإنسانية، للعراق جبلاً ونهراً وسهلاً، للأطفال، للشوارع المقفرة. بلال طفل عربي، عراقي، يهيج القلوب، ويذهل. لا أطالب بأن تكون أغنية بلال كما كان نشيد الجزائر، نشيداً رددناه صغاراً. ولا أن يكون في افتتاح المحطات العربية، ولكن فقط دعوا بلالاً يطل علينا بين حين وآخر، لا تذكّرونا بما حرمتمونا من فن وأدب عراقي بعد دخول صدام للكويت لمدة ثلاثة عشر عاماً. فالأمريكان الآن في بلد بلال. دعوا بلالاً لنا ولو قليلاً.