نشعر دائماً بالحرج والتحسس عندما يتعلق الأمر بحركة جماهيرية سعودية إلى أي دولة عربية وفي المناسبات الرياضية قد نملك بعض العذر لأن الجمهور الرياضي له سلوكه الخاص في جميع دول العالم.. لكن الحرج هذه المرة من جمهورنا المكتتبين في العواصم الخليجية وهم ممن يتمتعون بوعي اقتصادي. زميلنا الأستاذ علي القحيص مدير مكتبنا في الإمارات رصد بعض السلوكيات عندما انتقل من دبي إلى الدوحة في قطر لتغطية الاكتتاب العام على أسهم مصرف الريان الإسلامي في مقر الاكتتاب بنادي قطر الرياضي ورصد بالصور والتعليقات الجانبية لحالة أبنائنا وآبائنا وإخواننا من المكتتبين وهم يطفقون إلى ملعب نادي قطر بحثاً عن الغنائم والمكاسب الاكتتابية فمنهم من قفز الأسوار وآخرون لم يجدوا لهم سكناً فبقوا في العراء والكثيرين افترشوا الأرض والأرصفة. مع فوضى وقوف السيارات المخالف لأنظمة المرور القطرية.. صور رصدها الزميل علي القحيص تجسد حالة الفزع والتلهث تجاه المساهمة لمجتمع استيقظ ذات صباح وقيل له انفر صواب المساهمات في الداخل والخارج ففر يسابق الزمن للحصول على أعلى اكتتاب في أي بقعة في الأرض. أنا هنا أدرك المهنية الصحفية العالية للزميل والصديق علي القحيص التي يتمتع بها وأنه يؤدي دوراً مهنياً عالياً في تغطية الحدث الاكتتابي الذي أفزع القطريين وقبله الاماراتيين في اكتتاب الغاز لكن القحيص الذي حاول في تغطيته الأولى يوم الأربعاء الماضي أن يكون مهنياً صحفياً في تناوله للحدث في واقعية نقله لما حدث هناك دون تعليق لكنه في تغطيته الثانية تدخل في الحدث ليعكس رأيه كمواطن سعودي أزعجه ما رآه وما شاهدت عيناه الافتراش أمام نادي قطر والنكات وتعليقات الآخرين وطغيان اللون الأحمر أي الشماغ شوارع الدوحة والفوضى المرورية. وهي بلاشك صورة مزعجة لأبناء وطننا الذين خرجتهم جامعاتنا ووصل الوعي التعليمي إلى درجات متقدمة وأصبحنا بلد المهندسين والأطباء والصيادلة والمحاسبين والكيميائيين أصبحنا بلداً متحضراً ومتعلماً وبلغنا سن الرشد الحضاري ومحونا تقريباً الجهل والبدائية من حياتنا حتى غمرناها بالتعليم والمعارف والعلوم.. فمن هنا جاءت ملاحظات الصديق علي القحيص الذي بدأ حياته الصحفية رساماً للكاريكاتير في الصفحة الأخيرة من جريدة «الرياض» يرصد الحدث السياسي والاجتماعي والاقتصادي.. وكانت له عين الرقيب الذي يقتنص الحدث ويسجل زواياه ثم يعيد بلورته بصورة مجسدة تنتقد الواقع بذكاء إصلاحي لا صورة التشفي والتهكم.. أدرك أن القحيص الذي عاش جزءاً من طفولته في صحراء الشمال في رفحاء التي تتكأ أطرافها على النفود الكبير عاش في صفاء مرابع الشمال حيث الصحراء تمتد برمالها الذهبية وتغوص في الحماد والهضاب وحيث السماء تكون أكثر صفاءً والأفق لا ينكسر ويمتد بلا نهايات من تلك الروح الشفافة والثقافة المحلية التي اختلطت داخلها أخلاقيات البادية وتحضر بلادنا وعالمية ما نسعى إليه جاءت ملاحظات القحيص التي عكستها الصور والكاريكاتير المرفق بالتقرير جاء بعين شمالية تتكئ على قيم أخلاقية تغذت بحضارية مدينة الرياض الزاهية لا تقبل الإنقاص تحت أي مبرر اقتصادي. لست بصدد إعطاء درس في القيم الأخلاقية التي يجب أن يكون عليها مجتمعنا لكن علينا جميعاً من جماهير المكتتبين ومن مؤسسات مالية أن نحافظ على سمعة بلدنا بالانضباط السلوكي عندما نقرر الاكتتاب في أي دولة خليجية أو عربية وأيضاً البحث عن حلول إجرائية من قبل مؤسسات الاستثمار السعودي في إيجاد وسيلة للاكتتاب الخليجي من خلال بنوك سعودية. فسمعة بلادنا ثمن غالٍ لا نساوم عليه ولا نرضى أن نكون مادة كاملة الدسم للصحف الخليجية أو المحطات الفضائية التي مازالت ترانا بقايا جهل في هندام متحضر. الشكر للزميل القحيص من جريدة «الرياض» والزملاء الآخرين الذي غطوا اكتتاب مصرف الريان الإسلامي ونقلوا لنا حالة الفوضى التي خلفها أبناءنا هناك لعل الجهات الاستثمارية يكون لها دور في المحافظة على سمعة وطننا وتحافظ أيضاً على كرامتنا الاقتصادية، ولعل أبناءنا يكونوا أكثر التزاماً وحرصاً على سمعة بلادنا وأن يكونوا أكثر انضباطاً لأنهم ينتمون إلى وطن كريم وشعب يعتز كثيراً بكرامته.