بدأت هنا اول أمس - الثلاثاء - جولة جديدة من «الحوار الشامل» بين الهند وباكستان على مستوى أمينَي خارجية البلدين في أجواء جديدة بعد أن خمدت الحرارة التي كانت قد دبت في علاقاتهما فجأة من جراء الزلازل في أكتوبر الماضي . وقد وصلت علاقاتهما الآن إلى نفس مستوي البرودة الذي كانت عليه قبل سنة 2002 التي عاشها البلدان في أجواء الحرب . وهذه هي الجولة الثالثة من مباحثات «الحوار الشامل» الذي بدأ قبل ثلاث سنوات. وهي ترمي إلى بناء الثقة المتبادلة إلى جانب بحث قضية كشمير الشائكة. ويرأس الوفد الهندي أمين الخارجية شيام ساران بينما يرأس الوفد الباكستاني المكون من عشرة أشخاص نظيره الباكستاني رياض محمد خان الذي قد حضر مع عدة مديرين بالإضافة إلى (تسنيم أسلم) المتحدثة باسم الخارجية الباكستانية. وهذا أول اجتماع على هذا المستوى الرفيع بين البلدين هذا العام وهو يعقد عقب زيارة وفد مؤتمر الحرية الكشميري لباكستان.. وتقول المصادر الرسمية هنا أن نيودلهي سوف تطلب من باكستان أن تفي بوعدها بالقضاء على «البنية التحتية للإرهاب» على أراضيها وأن تقضي على «الإرهاب المصدَّر من وراء الحدود». وقد اكتسبت هذه القضية أهمية خاصة في نظر الهند عقب الانفجارات التي دكت العاصمة الهندية عشية عيد الأنوار في أكتوبر الماضي ثم مرة أخرى حين هوجم مؤتمر علمي في مدينة بانغلور بجنوب الهند يوم 28 ديسمبر الماضي والذي قتل فيه أحد الأساتذة وجرح آخرون. وستعرض الهند عددا آخر من «تدابير بناء الثقة» خلال هذه الاجتماعات ومنها بدء خط اوتوبيس آخر لربط كارغيل في منطقة لداخ ببلدة «سكاردو» في منطقة الأراضي الشمالية بالجزء الباكستاني من كشمير. وستقترح الهند أيضا بدء خدمة شاحنات بين سيريناغار ومظفرآباد لتسهيل التجارة بين شطري كشمير. والقضايا مطروحة على جدول أعمال «الحوار المشترك» هي السلام والأمن، وجامو وكشمير، وتدابير بناء الثقة، وهضبة سياتشين، وسدّ وولار ومشروع الملاحة في بحيرة تولبول، و«خليج سير» عند الحدود الغربية بين البلدين، والإرهاب وتهريب المخدرات، والتعاون الاقتصادي والتجاري، والتبادل الثقافي الودي في مختلف المجالات. وهناك أمل في أن البلدين قد يوافقان على الانسحاب من هضبة سياتشين ونزع سلاحهها وهي هضبة مكسية بالجليد طوال العام وينفق البلدان أموالا طائلة لأجل المحافظة على مواقعهما على هذه الهضبة التي لا طائل من ورائها وقد مات على هذه الجبهة عدد أكبر من الجنود بسبب الصقيع بالمقارنة مع عدد القتلى من جراء التراشق مع الجانب الآخر. وقالت صحيفة «دون» (الفجر) الباكستانية أمس - الثلاثاء - أن هناك إمكانا لإحراز تقدم حول الملف النووي بين البلدين إذ من الممكن أن يوافقا على تخفيض الاستعداد النووي بين البلدين بما فيه شرح كل بلد لنظريته النووية للبلد الآخر. وهناك اتفاق سابق بين البلدين لإعلام البلد الآخر قبل إجراء اختبارات الصواريخ. وقد تبحث هذه الاجتماعات أيضا بعض الأفكار الجديدة التي عرضها الرئيس مشرف في الأيام الأخيرة مثل نزع السلاح عن بعض أجزاء كشمير وإسباغ الحكم الذاتي على كشمير وإدارتها المشتركة بين البلدين. وقد اشترطت الهند للموافقة على نزع السلاح في كشمير أن تنهي باكستان الإرهاب المصدر من وراء الحدود أي أن توقف العمليات الفدائية في كشمير. وقد اتسمت المرحلة الماضية بعروض متكررة من الرئيس مشرف لحل القضية الكشميرية بأسلوب أو آخر متنازلا عن كثير من أسس الموقف الباكستاني حول كشمير إلا أن الهند لم تتجاوب متتعللة بأنها لن تبحث شيئا إلا بعد انتهاء الإرهاب. والحقيقة هي أن الهند تجد نفسها محرجة عقب كل تصريح للرئيس الباكستاني وهي تقول انها لن تبحث أموراً يعرضها الزعيم الباكستاني «عبر الإعلام» ... وهنا جاء الرئيس الباكستاني قبل أيام فقال انه قد قدم كل هذه المقترحات أولا إلى القيادة الهندية عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية وبعد عدم تجاوب الهند فقط لجأ إلى كشفها للرأي العام. وقد بدأ رئيس الوزراء الهندي مرة أخرى مباحثاته مع أطراف كشميرية هندية في الأيام الأخيرة مما يقوي الانطباع بأن نيودلهي قد عادت إلى خطها السابق والقائل بفرض حل في كشمير بالتفاوض مع الأطراف الكشميرية (المحلية) في الجزء الخاضع للهند. ويبدو أن الصبر الباكستاني لن يدوم طويلا وقد تقرر إسلام آباد تسخين الأوضاع مرة أخرى في الجزء الهندي من كشمير وتأييد الأطراف «المتشددة» بينما هي تؤيد حاليا الأطراف «المعتدلة». وبالتالي الربيع القادم في كشمير قد يأتي بشكل مغاير. وقد أبدت باكستان امتعاضها من تدخل الهند في شئونها الداخلية في صورة التنديد بالنشاط العسكري الباكستاني في إقليم بلوشيستان التي تشهد تمردا في الوقت الحالي. وسيبحث الجانبان أيضا القضايا المتعلقة بفتح قنصلية الهندية في كراتشي والقنصلية الباكستانية في بومباي والتي قد تأخر فتحهما رغم الاتفاق السابق وذلك بسبب عدم عثور الجانب الباكستاني حتى الآن على مبنى مناسب للقنصلية في بومباي بسبب امتناع الملاك تأجير عقاراتهم للباكستانيين.