لم تكن المملكة خارج الحسابات العربية والدولية منذ تأسيسها، وحتى اليوم، فقد كانت أفكار المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز حول فلسطين سابقة لأزمنة المحاججة السياسية القائمة، وأول من قرأ أفول الامبراطوريتين الإنجليزية والفرنسية ليدخل أمريكا المنطقة كدولة بعيدة عن مطامع الغرب الأوروبي في تلك المرحلة، والمنتصرة في حربين عالميتين، والذي معه بدأ تاريخنا الاقتصادي.. بانفجار آبار النفط السعودي على اليابسة كانت بدايات التحول من بلد شبه زراعي ورعوي بكليته، وأمية كثيفة العدد، إلى مؤسس لدولة حديثة بدأت بالتعليم، وإنشاء الوزارات ثم الانطلاق إلى بنية أساسية تتفق وعالم اليوم.. الرحلة طويلة، فكل الملوك الذين تولوا التطوير وفق مراحله الزمنية، وإيقاعه الخاص كانوا يدركون أن عملية التحديث تحتاج إلى دفعات غير متهورة، وقد تصاعدت مع المغفور له الملك سعود بدايات البعثات الخارجية المكثفة والجامعات والمعاهد إضافة إلى التعليم العام بكل هياكله، ثم كانت الصورة مع المغفور له الملك فيصل أكثر تحدياً، ولكنها الأكبر تأسيساً حتى إن الدور السياسي الداخلي والخارجي في تلك المرحلة المعقدة والمتفجرة بمختلف التيارات، جعلها الأكثر ارتكازاً في إدارة تحديات الداخل والخارج.. ثم تتالت المواقف فكان المرحوم الملك خالد يجمع بين الزهد والبساطة مع تعميم التنمية وكان لارتفاع أسعار النفط أن دخلنا دائرة البناء الشامل، وجاء خادم الحرمين الملك فهد- رحمه الله- ليواجه طريقين، حروب الخليج المكلفة والمهددة للأمن العربي، والإسلامي، وقيادة الدولة الحديثة لتلعب الدور الأهم والأخطر في الميدانين الإقليمي والدولي.. ومع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بدأنا رحلة الإصلاح الشامل، القضاء على الإرهاب وتوسيع المشاركة الوطنية في صناعة اقتصاد أكثر حيوية، تجاوز حدوده الوطنية إلى نقل الاستثمارات إلى معظم الدول العربية، وجاءت زيادات الرواتب ومضاعفات ميزانية صناديق الإقراض والتنمية العقارية والصناعية، وتأسيس أكبر سوق عربي للأسهم، وحل أعقد مشكلة مع أمريكا ودول أوروبا بعد أحداث 11 سبتمبر، أن تحولت المملكة إلى قطب يتحرك على كل الاتجاهات رغم أنها لم تبحث عن كرسي الزعامة، لا خليجياً ولا عربياً، لكن طاقات وأفكار وحيوية الملك عبدالله وصراحته واعتدال مواقفه، كانت السبب في تجاوز الواقع إلى إرساء سياسات أكثر واقعية، وذات أهداف واضحة، وموضوعية تحددت بصيانة المصالح الوطنية، دون الخروج عن تواصل العلاقة مع كل قوى العالم الخارجي.. في هذه الأجواء أعادت المملكة للوطن العربي لونه الواضح، أي أن التقسيمات الإقليمية والنزعة نحو يسار، أو يمين متطرفين، أو اختطاف هذا الوطن والعالم الإسلامي من قبل إرهابيين أو متشددين لا يمكن قبولها ضمن ساحتنا الوطنية أو العالم الخارجي، وبذلك كان الملك عبدالله رجل المرحلة المقتدر على خلق أجواء مصالحات عربية واعتماد استراتيجية طويلة لاقتصاد وطني يتأسس على الشفافية والانطلاق إلى آفاق بعيدة..