بدأ الحزب الجمهورى عملية تطهير ذاتى ومواجهة مع النفس قد تكلفه أعتى زعاماته لانقاذ مايمكن انقاذه من سمعته مع اقتراب انتخابات الكونغرس والتجديد لثلث مجلس الشيوخ فى نوفمبر من هذا العام. ولم تكن استقالة توم ديلاى بالأمس من منصب زعيم الجمهوريين بالكونغرس سوى البداية العملية لهذه المواجهة المريرة التى ربما تجتاح فى طريقها آخرين من أقطاب الحزب وليس من المستبعد زعيمهم فى مجلس الشيوخ بيل فريست. ولكن تظل الشوكة القوية فى ظهر الحزب قابعة فى البيت الأبيض ومن الصعب التخلص منها لأن هذا يعنى التنازل عن جوهرة التاج وتسليمها على طبق من ذهب إلى العدو الديمقراطي. وليس توم ديلاى هو العقبة الوحيدة أمام تحسين صورة الحزب التى لطختها العديد من الفضائح على المستوى الحزبى ثم القومى ثم الدولي. بل إن البيت الأبيض وسياساته المثيرة للمشاكل والفضائح تمثل معينا لا ينضب من كال المشاكل التى تورق الحزب. ولم يشأ الرئيس جورج بوش أن يقاوم كثيراً كما اعتاد من قبل عملية انسلاخ توم ديلاى تطوعاً فى الظاهر( وربما يكون إجباراً فى الباطن) حتى لايستعدي عليه بنو حزبه ويفتح على نفسه جبهة آخرى لاقبل له بها. وجاء هذا التحول مع استشعار لدارة بوش بأن الخناق يضيق حول عنق ديلاى فى العديد من الفضائح بعضها بلغ مرتبة الجناية والآخر يتعلق بممارسات مشبوهة أدت إلى ظهور حركة تمرد داخل الحزب طالب 15 من أعضائه باستقالة ديلاى ليكتبوا بيدهم شهادة وفاته السياسية وان كان هو مازال يقاوم ويصر على أنه سيبقى بل وسيعيد ترشيح نفسه فى بوسطن فى انتخابات هذا العام. وجاء رد فعل البيت الأبيض فاتراً مستسلماً ويخلو من أى تأكيد(على عكس ماحدث سابقاً) ببراءة ديلاى من الاتهامات الجنائية الموجهة إليه فى قضية تتعلق بغسل أموال وتجاوز قواعد تمويل الحملات الانتخابية من المقرر أن يحاكم بشأنها فى تكساس. وقالت ارين هيلى المتحدثة باسم البيت الأبيض بعد بيان ديلاى بالتنحى عن زعامته بمجلس النواب مساء أمس الأول أن الأدارة ألأمريكية تحترم قرار ديلاي بوضع مصالح الشعب الأمريكى ومجلس النواب والحزب الجمهورى فى المقام الأول. وقد تنازل ديلاى مؤقتاً عن زعامته للحزب بمجلس النواب إلى ان يتم الفصل فى القضية لكن أعضاء الحزب وجدوا أن هناك قضايا أخرى تنتظره للاشتباه فى تورطه فى عمليات فساد اعترف ببعضها مدير حملات الضغط والترويج الشهير جاك ابراموف الذى تبين أن هناك شبكة من التعاملات الخفية بينه وبين ديلاي. وأحس الجمهوريون أن ديلاى سيتخذ من قبل خصومهم الديمقراطيين ورقة للتشهير بالحزب فى وقت حرج يحتاجون فيه إلى استعادة ثقة الجماهير فيهم فأثروا أن يتخصلوا منها على الرغم من لدراكهم أن هذا سيعنى خسارة واحد من أمهر جامعى التبرعات للحزب. ولم يشأ الجمهوريون أن يفوتوا هذه المناسبة دون أن يدلوا بدلائهم. فأطلت نانسى بيلوسى زعيمة الأقلية الديمقراطية بمجلس النواب برأسها لتطلق تصريحاً نارياً قالت فيه أن الجمهوريين فى مجلس النواب ظلوا لسنوات (وعلى حساب الشعب الأمريكي) يساعدون على ويتربحون من ثقافة الفساد التى أجادها توم ديلاي. وقالت أن ثقافة الفساد متغلغلة فى أروقة المؤتمر الجمهورى وتنحى شخص واحد لايكفى لتطهير هذا المؤتمر. وتقصد بيلوسى بالموتمر زعامات الحزب الجمهورى بمجلس النواب. وصرح هارى ريد زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس الشيوخ فى نفس الوقت بتصريحات تكاد تكون متطابقة اذ قال أن ديلاى يتحمل الكثير من المسؤولية عن ثقافة الفساد التى نشرها الجمهوريون فى العاصمة الأمريكية الا تنحيته من قيادة الحزب فى مجلس النواب لن ينهى المحسوبية والفساد اللتين زرعهما هو وجمهوريو واشنطن. ورأى لويد دوجيت النائب الديمقراطى عن تكساس أن التخلص من ثقافة الفساد التى تفشت فى واشنطن تتطلب أكثر من اجراء تعديل فى قيادة الحزب بل تتطلب عملية تنظيف لمجلس النواب0 وقال أنه طالما ظل أذناب ديلاى فى المجلس فستظل أمريكا تعانى من غطرستهم. ولم يقتصر هذا الهجوم على الديمقراطيين بل ان بعض الجمهوريين لم يتورعوا عن الجهر بجلد الذات فقال جيب فليك نائب أريزونا نحن لانريد زعماء جدد وحسب بل اننا فى حاجة ئلى تصحيح نهجنا0 فالأمر أكبر من مجرد منصبين فى أعلى هرم قيادى للحزب. لقد خلقنا نظاما هنا لايجلب سوى الفساد ونحن لانستطيع أن نستمر على هذا المسار. واعتبر الجمهورى شيلى مور النائب عن ولاية ويست فيرجينيا أن قرار ديلاى كان صائبا وأنه يتطلع إلى العودة فى وقت لاحق من الشهر إلى العودة لانتخاب قيادة جديدة للنواب الجمهوريين فى مجلس النواب. وقال النائب الجمهورى بول جيلمور من ولاية أوهايو أن ديلاى كان زعيما قوياً لكنه كان دائماً مثيراً للجدل. وقال بات تيبارى النائب الجمهورى عن ولاية أوهايو أن قرار ديلاى كان حتميا وأن مؤتمر الحزب فى مجلس النواب كان يتحرك فى هذا الاتجاه مشيراً إلى أن ديلاى كان يمثل عقبة أمام أجندة التغيير. ويدرك الحزب الجمهورى أن شعبيته تتأكل ليس فقط بسبب فضائح ديلاى الذى تبين أن له شبكة واسعة ومعقدة من جماعات الضغط التى تمسك بمفاتيح الوصول إلى الصفقات وئرساء العطاءات وجمع التبرعات. بل إن الحزب يعانى من أفعال ساكنى البيت الأبيض التى جلبت عليهم الكثير من مقت الناس. وقد أشار أخر استطلاع للرأس أن 49 فى المئة من الناخبين يريدون أن يعود الديمقراطيون إلى السيطرة على الكونغرس بمجلسيه مقابل 36 مازالوا يفضلون بقاء الجمهوريين في مقاعد الأغلبية. ويزيد عدد الجمهوريين عن عدد الديمقراطيين بخمسة عشرة مقعد في مجلس النواب وبأحد عشر معقداً في مجلس الشيوخ البالغ 100 مقعد. وقد أسر بعض أعضاء الكونغرس من الجمهوريين إلى بعض وسائل الأعلام بأنهم يعانون من سياسات بوش ويقاتلون على مضض من أجل تبرير أفعاله في الكونغرس. فمن ورطة العراق إلى خسائر أفغانستان إلى فضائح أبوغريب فغوانتانامو ثم فضيحة سكوت ليبي مدير مكتب نائب الرئيس تشيني في افشاء هوية عملية المخابرات فيلادي بليم إنتقاماً من زوجها الذي كشف أكاذيب الادارة بشأن أسطورة البرنامج النووي العراقي فالعجر الشديد في الميزان التجاري والميزانية والاخفاق في الأداء الراء كوارث كاترينا وريتا ثم أخيراِ فضيحة التجسس على هواتف الأمريكيين.. كل هذا جعل من سقوط ديلاي مجرد نقطة في خضم لا ينتهي من الأزمات التي ألمت بالإدارة الجمهورية للبلاد. ولم يكن تنحي ديلاي نهاية لمتاعب الحزب بل ربما يكون فاتحة لانقسامات داخلية من المرجح أن تزيدة تشرذماً. فقد سارع عدد من النواب الجمهوريين الذين لم يرق لهم أسلوب ديلاي إلى ترشيح أنفسهم وأغلبهم من قادة التمرد الذين سارعوا إلى جمع التوقيعات لارغام ديلاي على التنحي قبل ان يسارع هو لتفويت فرصة الاطاحة به في انقلاب ضده ويبادر باعلان تنازله طواعية. وقال رئيس مجلس النواب دينيس هاستيرت ان الجمهوريين سيجرون في 31 يناير الجاري إنتخابات بعد خطاب الرئيس عن حالة الاتحاد وذلك لإختيار القيادة الجديدة للجمهوريين في المجلس. وقد بدأ المتشوقون لملء الفراغ الذي تركه ديلاي في شن حملة إتصالات لحشد أكبر عدد من المؤيدين ويتقدم هؤلاء المتسابقين نائب ميزوري روى بلانت الذي كان يتولى منصب ديلاي منذ انابته اليه فيه في سبتمبر الماضي. ويشترك في هذا السياق أيضاً نائب أوهايو جون بوينر الذي يتمتع بشعبية بين الجمهوريين وسبق له ان تولى قيادة الحزب في مجلس النواب. ومن الأسماء الأخرى المتوقع أن تخوض المنافسة نائب انديانا مايك بنس ومايك روجرز نائب ميشيغان وجيري لويس نائب كاليفورنيا إذا فاز بلانت بمنصب زعيم الأغلبية فإن هذا سيثير سباقاً آخر على منصب نائب الزعيم او سوط الأغلبية الذي يتولاه بلانت إلى جانب منصب القائم بأعمال زعيم الأغلبية.