الوسيلة الوحيدة المتاحة عملياً للفتاة الأثيوبية تسدالي ميسيلي لتفادي الزواج المبكر والرضا بدور ربة المنزل والإنجاب هي «الركض». هذا ما فعلته هذه الفتاة الشجاعة صاحبة الساقين الرفيعتين مثل عودي ثقاب والشعر المعقوص على هيئة ذيل الفرس. وتمارس تسدالي الركض في الطرقات المتربة في الأراضي الأثيوبية المرتفعة حافية القدمين أو ترتدي في بعض الأحيان حذاء رياضياً ممزقاً بالياً لرفع معدل لياقتها وقوة تحملها. مؤخراً نقلت تسدالي نشاطها إلى مضمار الاستاد الرياضي الوحيد في أديس أبابا لعل عين أحد كشافي المواهب تقع عليها وتحصل على رعاية ضئيلة تعرف ب«نفقة السعرات الحرارية». وقد سيطر العداؤون الأثيوبيون الذكور على مضامير العدو في العالم وقد أنجبت البلاد افضل عدائي المسافات الطويلة في العالم من بينهم أسطورة العدو هايلي غبراسيلاسي-33 عاماً- الذي تمكن من تحطيم 17 رقماً عالمياً وحصل على ميداليتين ذهبيتين أولمبيتين. ولكن في العقد الأخير أخذت العداءات الإناث من أمثال ميسريت ديفار-22 عاماً- يحصدن الميداليات الذهبية والسباقات الدولية . وفقاً لمجلة الرياضة الأثيوبية فان سبعة من عشرة من العدائين الأعلى دخلاً في أثيوبيا من الإناث. وغادرت تسدالي وغيرها من آلاف الفتيات قراهن إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا للعيش مع أقاربهن في أحياء فقيرة والتدرب بطرقهن الخاصة ويحلمن بالمشاركة في المنافسات. وقالت تسدالي بان الركض لا يعني لها فقط حلم الفوز بالجوائز والميداليات بل يعتبر ضمانة للاستمرار في الدراسة حيث تحرص المدارس على التمسك بالطالبات المبرزات في الأنشطة الرياضية. وفي أثيوبيا يزوج الآباء فتياتهن في سن مبكرة لا تتجاوز في بعض الأحيان الاثنتي عشرة سنة من اجل الحصول على مهورهن. وتعاني أثيوبيا من تفشي مرض الإيدز ومرض الناسور الشرجي الذي يصيب عدداً كبيراً من الأمهات صغيرات السن عند الولادة نتيجة لعدم اكتمال نموهن بدنياً. وتكسب الكثير من الفتيات الأثيوبيات القوة على التحمل في سن مبكرة من خلال قيامهن بأعمال يومية شاقة مثل السير لثلاثة أو أربعة أميال يومياً لجلب الماء أو الذهاب للمدرسة وحمل حطب الوقود على رؤوسهن. وفي الوقت الذي يقضي فيه الصبيان أوقاتهم مع آبائهم أو التسكع تكون الفتيات مسئولات عن مساعدة أمهاتهن في أعمال الطبخ والغسيل والنظافة وغيرها من المهام المنزلية اليومية. وقالت ميسريت ديسفار التي فازت بميدالية أولمبية ذهبية في عام 2004 في سباق الخمسة آلاف متر والميدالية الفضية في بطولة العالم عام 2005 بأنها قضت طفولتها في حمل حطب الوقود الذي اكسبها قوة في عضلات الظهر عند سن العاشرة. وتتذكر ديسفار حملها لجرار الماء لميلين يومياً. وقالت إنها كانت تبكي لأنها كانت تريد التدريب والجري ولكن عملها في المنزل كان يحرمها من ذلك. واضافت ديسفار بانها تذكر بانها كانت تركض حافية القدمين وهي تنظر للحذاء الذي تدفع لها الشركة الصانعة لارتدائه. واستطاعت ديسفار كسب أموال كثيرة من الجري بحيث أصبحت في وضع مكنها من دفع المصاريف الدراسية لأثنين من اخوتها. وقامت ديسفار مؤخراً بالحديث إلى أمهات شابات مصابات بالناسور الشرجي بالمستشفى وشجعتهن على مساعدة بناتهن على مواصلة الدراسة وتأخير مسألة الزواج والإنجاب حتى يصبحن في وضع يؤهلن لاختيار شركاء حياتهن بدون ضغوط من أب أو قبيلة والتخلص من العادات الضارة مثل الختان الفرعوني. وفي المكان الذي تعيش فيه تسدالي قامت الفتيات باتخاذ ديسفار غدوة لهن وعلقن صوراً لها على جدران غرفهن. (واشنطن بوست)