أذكر أنني قرأت قصة جميلة عن الملك عبد العزيز تثبت أن القائد يولد ولا يصنع؛ فقد زار رجل والده الملك عبد الرحمن وقال له: ابنك هذا سيصبح قائداً. فقال له الملك عبد الرحمن: وكيف عرفت ذلك؟ قال: رأيت الأطفال يلعبون خارجا وكل منهم يقول أنا مع من، أنا مع من، إلا هو يقول أنا من معي، أنا من معي. وفي هذا الشأن يقول الفيلسوف العربي الفارابي في كتاب المدينة الفاضلة إن القيادة جزء منها فطري يتبعه حرص وجهد (ويقصد بلغة العصر: استعداد وراثي يبني عليه مهارات مكتسبة..) على أي حال يمكن القول إن هناك مدرستين للقيادة وصناعة القائد؛ المدرسة الأولى تركز على المظهر والكاريزما الشخصية أكثر من التقنيات والمهارات الإدارية.. أما الثانية (وهي الأحدث) فتركز على المهارات الإدارية والكفاءة الشخصية ولا تعترف كثيرا بأهمية المظهر والتأثير الشخصي.. ففي الماضي كانت القيادة تعتمد على كسب قلوب الناس - من جهة - وإرهابهم - من جهة أخرى - وبالتالي كان المظهر والهيبة والسلالة العريقة عناصر ضرورية لتحقيق متطلبات القيادة. أما اليوم فتحولت صناعة القائد الى منافسة انتخابية وعمل مؤسساتي يعتمد في المقام الأول على كفاءة الفرد وقدرته القيادية.. (أو على الأقل هذا هو المفترض). وبناء عليه يجب التفريق بين «الحاكم» الذي يملك بيديه أسباب السلطة، و«القائد» الذي يصنع نفسه بنفسه ويقدم لمن حوله رؤية وآفاقاً جديدة.. ففي الدول الديموقراطية مثلا يكفل نظام الانتخابات الحر تقديم «حكام» لايتمتعون بأي كاريزما شخصية ولا جاذبية شعبية - ولا حتى هيبة أو مظهر -. ففي أمريكا وبريطانيا وروسيا مثلا لايمكن وصف توني بلير أو بوتين وبوش بال«قادة» - بالمعنى الإداري للقيادة.. فهم ببساطة نتاج عمل مؤسساتي واختيار حزبي - ولم يكن ليوصفوا كقادة لولا تمكينهم من أسباب السلطة. وفي المقابل هناك «قادة» حقيقيون صنعوا أنفسهم بأنفسهم وتمتعوا بجاذبية شخصية ومهارة قيادية وشعبية واسعة - بل واستطاعوا بجهودهم الخاصة فتح مدن، وتأسيس دول، وتغيير التاريخ مثل نابليون وعبد الرحمن الداخل وعبد العزيزآل سعود وماوتسي تونج (رغم اعترافنا أن النظام المؤسساتي الحديث لم يمنع ظهور رؤساء اثبتوا - بعد توليهم السلطة - مهارات قيادية مذهلة كتشرشل وشارل ديغول وفرانكلين روزفلت والمستشار الألماني بسمارك) ... - على أي حال هناك ثلاثة مظاهر رئيسية توضح الفرق بين الحاكم.. والقائد.. وملك القلوب !؟ ٭ فالحاكم رجل أتيحت له أسباب السلطة والنفوذ بصرف النظر عن شعبيته أو مهارته أو طريقة وصوله للمنصب. ٭ أما القائد فشخصية سلطوية تملك رؤية مستقبلية ومهارة تنظيمية تتيحان له الانتقال (بمن حوله) نحو آفاق جديدة وغير مسبوقة. ٭ أما ملك القلوب فقائد يتمتع بشعبية هائلة وتأثير كبير على قلوب - وعقول - الناس ! والغريب أن (ملك القلوب) قد يملك التأثير الأقوى - بين الثلاثة - بمعزل عن السلطة وامتلاك أسباب القوة.. فالمهاتما غاندي مثلا لم يتول أي منصب سياسي ومع ذلك كانت له قوة تأثير كبيرة على الشعب الهندي أجبرت الاحتلال البريطاني على الرحيل.. ونابليون بونابرت دخل فرنسا وحيدا (بعد نفيه في جزيرة كورسيكا) ولكنه استطاع بفضل شعبيته اجتذاب قلوب الجنود حتى دخل باريس بجيش عظيم.. وهناك أيضا الزعيم المخضرم نيلسون مانديلا التي مايزال يتمتع بشعبية كبيرة وقوة تأثير هائلة على الشعوب الأفريقية رغم سجنه لمدة 27 عاما - في الماضي - واعتزاله العمل السياسي - في الحاضر !! ..وفي المقابل اسال نفسك بصوت خافت: كم حاكماً عربياً يملك قوة تأثير مشابهة بمعزل عن المنصب وقوة النظام !؟ .. (الجواب في وجه صدام حسين)!!