تعادل الأخضر وقطر يُنهي صدارة المجموعة بالتساوي في كأس الخليج تحت 23 عاماً    المغرب لنصف نهائي كأس العرب    بلجيكا: الأصول الروسية المجمدة ستستخدم لتمويل قرض لأوكرانيا    انطلاق أكبر هاكاثون في العالم "أبشر طويق" بالشراكة بين وزارة الداخلية وأكاديمية طويق    نائب وزير البيئة يترأس الاجتماع التشاوري لوزراء البيئة العرب ويعقد لقاءات ثنائية    مدرب الجزائر: نسعى لاجتياز عقبة الإمارات وبلوغ قبل نهائي كأس العرب    بيلينجهام يثق في قدرة ألونسو وريال مدريد على التعافي رغم الضغوط    50 اتفاقية .. وتمكين رقمي شامل يفتح آفاقاً جديدة للقطاع غير الربحي البيئي    إحباط تهريب (132,000) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي في عسير    خوجة يستعرض تاريخ الصحافة السعودية ومستقبلها الرقمي    كتاب جدة يستهل ندواته الحوارية بالفلسفة للجميع    وفاة طفلة رضيعة في غزة بسبب البرد الشديد    ناصر القصبي يؤكد في الحفل الختامي أهمية تعزيز الحراك المسرحي السعودي    نائب أمير جازان يستقبل الدكتور الملا    خفض الفائدة يعيد تشكيل المشهد ويعزز السيولة في السوق السعودي    يوم الجبال الدولي مشاركة واسعة لإبراز جمال تضاريس السعودية    القيادة تهنئ رئيس بوركينا فاسو بذكرى يوم الجمهورية لبلاده    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية سقياهم    توقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجي لدعم التعليم في اليمن بقيمة 40 مليون دولار    روضة إكرام تختتم دورتها النسائية المتخصصة بالأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز    45 ركنًا تستعرض خيرات حفر الباطن في مهرجان المنتجات الزراعية    رئيس الخلود: صلاح غير مناسب لدوري روشن    برعاية محافظ صبيا المكلف"برّ العالية" تُدشّن مشروع قوارب الصيد لتمكين الأسر المنتجة    تعلموا التاريخ وعلموه    ريما مسمار: المخرجات السعوديات مبدعات    طرق ذكية لاستخدام ChatGPT    فعاليات ترفيهية لذوي الإعاقة بمزرعة غيم    ممدوح بن طلال.. إرثٌ لا يرحل    ارتفاع مبيعات الإسمنت مع تزايد حركة البناء الواسعة    «الثقافة» تختم الفعاليات الثقافية السعودية في البندقية    على هامش شتاء مرات السادس.. معرض منوع لفناني منطقة الرياض    رصد أكثر من عشرة آلاف طائر في محمية فرسان    أمير المدينة المنورة يستقبل تنفيذي حقوق الإنسان في منظمة التعاون الإسلامي    استضعاف المرأة    مستشفى الملك فهد الجامعي يعزّز التأهيل السمعي للبالغين    «طبية الداخلية» تقيم ورشتي عمل حول الرعاية الصحية    تطعيم بلا بروتين بيض    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا انهيار مبنيين متجاورين في مدينة فاس    تشجيع تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة.. الموارد.. مبادرات تحقق العدالة وتعزز بيئة العمل    بيروت تؤكد سيادتها واستقلال قرارها الداخلي.. رفض لبناني رسمي لدعوة إيران    في سادس جولات اليورباليج.. مواجهة حاسمة بين سيلتيك غلاسكو وروما    في ختام مجموعات كأس الخليج تحت 23 عاماً.. الأخضر يواجه نظيره القطري للصدارة    ضغوط أمريكية لتنفيذ المرحلة الثانية.. واشنطن تلزم تل أبيب بالتقدم في اتفاق غزة    وصول طائرة سعودية جديدة لإغاثة الفلسطينيين    «مسألة حياة أو موت».. كوميديا رومانسية مختلفة    «حساب المواطن»: 3 مليارات ريال لمستفيدي دفعة شهر ديسمبر    أمير الشرقية ونائبه يعزيان العتيبي في وفاة والده    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    زواج يوسف    الأرض على موعد مع شهب التوأميات    في ذمة الله    دراسة تكشف دور «الحب» في الحماية من السمنة    نائب أمير مكة: المملكة أولت خدمة المقدسات وقاصديها اهتمامًا خاصًا وجعلتها على هرم الأولوية    تصعيد جديد في اليمن يهدد استقرار الجنوب    استئصال البروستاتا بتقنية الهوليب لمريض سبعيني في الخبر دون شق جراحي    جمعية روضة إكرام تعقد دورتها النسائية حول الأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز    طيور مائية    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناقة الحزينة
بالقبيلة والمجتمع
نشر في الرياض يوم 06 - 03 - 2008

تأتي قصيدة المثقب العبدي وهي نص نموذجي يكشف عن علاقة الذات مع الذات، وفيها تأتي المحبة بما إنها علاقة وصل فإن لم يكن الوصل فليكن القطع. والقطع كالوصل كلاهما عنيف وغير تواصلي وان بدآ دعوة للتواصل، ولكنك سترى التقاطع رديفاً إلزامياً للوصل، والرابط بين الاثنين هو رحلة المعنى الشعري في حب رومانسي الأصل ولكنه استبدادي السلوك وبالمقارنة مع قصيدة الشنفرى في المقالة السابقة تكون قصيدة المثقب نموذجاً أكثر إنسانية حيث يجمع بين مفهوم الرحلة وقيمها الوجدانية ويبدؤها بتحديد قيمة الفرد مع ذاته:
افاطم قبل بينك متعيني
ومنعك ما سألت كأن تبيني
ولا تعدي مواعد كاذبات
تمر بها رياح الصيف دوني
فإني لو تخالفني شمالي
لما اتبعتها أبداً يميني
إذا لقطعتها ولقلت بيني
كذلك اجتوي من يجتويني
وهو هنا يبدأ مبتدأ فردياً رومانسياً في تجاوب مع من يحب وقد تمنعت عليه بحيلة الوعود التي لا يصدقها ويقول ان المنع لا يختلف عن الهجر، وهو لا يقبل بهذا الحب الخداع ويريد اثبات ذلك بأسلوب عنيف حتى ليتعهد بقطع يده لو خالفته وكما هو مستعد لتقطيع جسده إلى قطع متباينة فيما لو خالفه أحد أعضاء هذا الجسد فهو أيضاً سيقطع صلته بالوعود الكاذبة ويهجر العلاقة في بينونة دموية قطعية، وهو يتخذ هذا النموذج كمبدأ تواصلي يبدو عليه القطع وكأنما هو رديف الوصل. وفي تبادل عنيف بين الوصل والقطع يقدم الشاعر جسده كمختبر عملي ليكشف عن القيم الذاتية في التعامل، وهو على نية متأهبة ليقطع يده ويتخلص من يد لا تطيعه، ومثل ذلك سيقطع العلاقة مع فاطمة وهي عنده جزء من أعضائه يهم بمخالفته. ولذا يهدد بقطع هذا العضو المخالف، وهنا تكون الرحلة داخلية حيث يرتحل الجسد عن الجسد وترتحل الأعضاء عن الأعضاء في رحلة هجر وبينونة قطعية، وهي تختلف عن بينونة الشنفرى حيث يقطع الشنفرى مع قومه أما المثقب فيقطع مع ذاته وفيما بين أعضاء جسده، لأن المحبوبة أعطته وعداً مقطوع الدلالة، وكما تقطعت الدلالة بين اللفظ والمعنى فإنه سيفصل يده الشمال عن يده اليمين، وينتهي الوصل إلى رحلة لا تلتقي.
وتبدأ الرحلة على ظهر ناقة لا تختلف كثيراً عن المحبوبة ذاتها، وقد دخل الشاعر مع الناقة في علاقة من القلق المستديم حتى ليطلعنا على حالها معه ويقول عن ناقته وقد أخذ يضع الرحل عليها بآخر ليلة:
إذا ما قمت ارحلها بليل
تأوه آهة الرجل الحزين
تقول إذا درأت لها وضيني
أهذا دينه أبدا وديني
أكل الدهر حل وارتحال
أما يبقى علي ولا يقيني
فابقي باطلي والجد منها
كدكان الدرابنة المطين
وهي أبيات تكشف حال الناقة مع صاحبها الذي استبد به القلق حتى اشغل الناقة وأرهقها معه وتصدر عنها الآهة الحزينة متسائلة عن صاحبها الذي لم يتركها تهنأ في منام ولا في مراح ودهره كله حل وارتحال لا يبقي على ناقته ولا على نفسه ولا على محبوبته، وقد توعد المحبوبة في أبيات قبل هذه الأبيات وأعلن عن نيته في الترحال على ظهر ناقة يقطع بها مع المحبوبة، وها هو يقطع مع الراحة ومع الحياة في ترحل ليلي وأبدي صار عنده بمثابة (الباطل) الذي لا يحله سوى السير الحثيث. ولقد وصف صنيعه بالباطل وخص نفسه به: باطلي وهو باطل ذاتي ينبع من قلق الذات في تعاملها مع الآخر، وتتجلى صيغة هذا الباطل الذاتي في خياراته التي يعرضها على الآخر حيث يقول:
فإما ان تكون أخي بحق
فأعرف منك غثى من سميني
وإلا فاطّرحني واتخذني
عدواً اتقيك وتتقيني
وما ادري إذا يممت وجهاً
أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا ابتغيه
ام الشر الذي هو يبتغيني
ولا شك ان الشاعر هنا يقترب من ملامسة الحس البشري العميق حيث تقف النفس الإنسانية في مفترق وجداني خطر بين أجمل ما في الذات وهو الخير وأقبح ما فيها وهو الشر، والمثقب حينما أصابه سهم قاتل مزق أعماقه في هجران محبوبته لا شك انه قد دخل في دوامة الهوس الوجداني وبدأت مأساته في هذه العلاقة القلقة مع ناقته حيث يريد منها ان تقطع به الفيافي، ولكن الناقة تظهر مدى ألمها وحزنها على هذا الأسى الأبدي في هذه العلاقة الشائكة مع رجل قلق ومتوتر لا يقر ولا يكل ولا يأنس لا يستريح ولا يريح، وتتأوه الناقة آهة يسمعها الشاعر ويبلغنا عنها ولكنه لا يستجيب لها، ومن المفارقة ان آهة الناقة تشبه آهة الرجل الحزين ولم يقل انها تشبه آهة المرأة الحزينة، وبغض النظر عن شرط القافية وهو شرط العجزة فإن اغفال أحاسيس المرأة وعدم التعبير عنها أو ملامستها دليل على ذكورية الثقافة وانغلاقها النرجسي على ذاتها والحزن هنا هو حزن الرجل والمشاعر هي مشاعر الرجل وكل احساس آخر هو في خانة النسيان والغفلة، ولقد تغافل الشاعر عن أحاسيس الناقة وتأوهاتها مثلما الغى أحاسيس المحبوبة ولسنا نعرف شيئاً عنها وكل ما نعرفه هو حال الرجل مع ظرفه وهو الظرف الوحيد في النص، وهو ظرف ذكوري وثقافة فحولية تجعلان، المركزية الثقافية هنا مطلقة وقطعية.
ثم تتوالى عليه الصروف حتى يدخل مع صديقه الأثير في خيار قسري يتلو خياراته القاسية مع المحبوبة والناقة ويدخل هنا أيضاً في مركزية ذاتية مغلقة على الذات وحدها ومثلما أغلق على الناقة وعلى المحبوبة تراه يغلق على الصديق وها هو يعرض على صديقه خياراً نارياً بين الصداقة المطلقة أو العداوة المطلقة: (أخي أو عدوي) وليس من خط وسط، هنا فالخيار للحبيبة إما الوصل وإما القطع ولا انتظار في ذلك، والخيار للناقة إما الترحل الدائم وإما النحر، والخيار مع الصديق إما الصدق التام وإما العداء وهذا فصل قطعي بين الخير والشر ولا مسافة بينهما، والحد هنا لحظة وموقف ونظرة ولا تسمح الحياة لأي قياس تداولي، وكأنما هي مثل تهديد بوش لصدام حينما خيره بين مغادرة العراق في ثمان وأربعين ساعة أو الحرب، في خيار بين محور الخير ومحور الشر، وهو محور جربه شاعرنا المثقب العبدي وبناه على الخيار النسقي الذي يقوم على ثنائية قطعية بين ظاهر ومضمر، والثنائي النسقي من شأنه ومن صفته انه يقوم على التناقض التام بين الخيارين ولا يسمح لخيارات أخرى تقف بين طرفي المعادلة النسقية، حتى لو خانته يده لما اتبع يداً بيد ولقطعها ولقال: بيني.
هذا ما أنتج صورة أدبية للناقة الحزينة أو لما نسميه بالصدمة الرومانسية حيث يكون الاخفاق قاتلاً ويؤدي إلى حسم وجداني عنيف.
وإن كنا عرضنا لنسختين ثقافيتين لنموذج الرحلة النفسية والثقافية عند الشنفرى والمثقب فإننا في المقالة القادمة - إن شاء الله - سنعرض لنموذج أكثر ايجابية وهو نموذج النفس السوية ويمثله دريد بن الصمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.