«.. أغني للهوى القتال أغنية على طلل يصير ركام أغني كي انقب في بقايا الصمت عن اشلاء مجزرة. يغطيها اخضرار كلام وها اني عثرت الان على شيء سأفعله بلا استئذان اموت لكي افاجئ راحة الموتى واحرم قاتلي من متعة التصويب نحو دريئة القلب الذي لم يعرف الاذعان سأحرم ظالمي من جعل عمري مرتعا لسهام احقاد وارضا اجبرت ان تكتم البركان أموت وقد نزفت مخاوفي لم يبق مني غير جلد فارغ قد صار كيسا فيه بعض عظام فصائغ بأسي المقرور فرغني من الاحلام...». ومات الشاعر المتعدد ممدوح عدوان بعد أن غنى للهوى القتال اغنيته الذاهبة إلى اقصى احتمالات الحياة وبعد أن نزف مخاوفه الكثيرة على رصيف عمره المليء بالشعر والنثر والكلمات والمسرحيات والمسلسلات والاغنيات، وبعد أن أصبح فعلا كما توقع من خلال الشعر، الذي ظل اثيره وأسيره دائما، جلدا فارغا وفيه بعض عظام جراء السرطان الذي داهمه قبل سنتين تقريبا، ولم ينل من روحه النزق، ولا من هيبة الكلمات في كل ما يكتبه ولا من صوته الهادر الا ما كان اشارة للمدى الذي وصل اليه المرض بسرعة رهيبة. وفي لقائه التلفزيوني مع الإعلامي زاهي وهبي في برنامج «خليك بالبيت» والذي اعاد بثه تلفزيون المستقبل بعد وفاته بأيام قليلة، بدا ممدوح عدوان وكأنه سيعيش ابدا، واثقا من سلاحه في معركته مع المرض القاتل والذي حاول ان يقلل من حجم ما احتله من جسده حتى ذلك الوقت، وعارفا بنتائج تلك المعركة التي وإن بدت في المنطق التقليدي خاسرة بالنسبة لجسد بشرى، ولكنها لا بد وأن تكون غير كذلك بالنسبة لوجود شاعر يغني للحياة حتى وإن فاجأته بذلك المرض القاتل، وللهوى حتى وإن كان قتالا. قال في ذلك اللقاء، الذي كان شهادته الاخيرة على صيرورته كما يبدو، انه ليس خائفا من الموت، الذي يؤمن ويعرف انه النهاية لكل شيء، ولكنه خائف ان يأتيه الاجل، وفي النفس حاجات إلى الكتابة كما هي، وكأنه لم يكفه ثمانون كتابا وعشرات الاعمال التلفزيونية، وغيرها، فبدا وهو يتحدث عما هو آت من أعمال اكثر حماسة منه وهو يتحدث عن أعماله السابقة. لكن الوجع كله كان في تلك المشاهد الانسانية التي عاشها الشاعر اختبارا لقدرة الاخرين على التجاوز عندما يكون ذلك التجاوز ضرورة من ضرورات العيش الانساني المشترك في حياة واحدة..فقد تذكر في معرض اجاباته على اسئلة البرنامج عن فترة مرضه وعلاقته بالاخرين اثناءها، ذلك الموقف الذي جمعه برئيس اتحاد الكتاب في سوريا على عقله عرسان، عندما تجاهله تماما ولم يبادره حتى بتحية عابرة او بسؤال تقليدي عن صحته..ورغم انه قال ان الموقف كان عابرا ولم يؤثر فيه كثيرا، الا ان من سمعه يذكر ذلك الموقف تأكد تماما من مدى الضرر النفسي الذي الحقه به... رحل ممدوح عدوان إذن تاركا وراءه أغنية تفيض بحياة متعددة، والكثير من الاسى... وكأنه يجيب، بذلك الرحيل، على سؤال الشاعر عن تلك المسافة ما بين الاغنية والموت بالمزيد من الاغاني والمزيد من الموت.