اطلعت على خطة التنمية الثامنة للمملكة وهالني تلك الأرقام المزعجة لبطالة المرأة في المملكة والأوضاع المأساوية التي صورت عنها، إذ تشير الاحصائيات إلى أن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في خطة التنمية الأولى حتى الرابعة لا تتجاوز «5٪»، كما لم تتعد «11٪» في عام 1423 - 1424ه في حين انها تتعدى «50٪» في كثير من الدول، وان نسبة العاطلات من السعوديات عام 1423ه يصل إلى «21,7»، وتوصي الخطة ب «الاهتمام بشؤون المرأة وتطويره قدراتها، وإزالة المعوقات أمام مشاركتها في النشاطات التنموية في إطار ما تقضي به القيم والتعاليم الإسلامية «الخطة - الفصل السابع عشر». وقد زادت الضغوط على المرأة وقضاياها في المجتمعات العربية والإسلامية بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر بغرض اتاحة الفرصة للمرأة للخروج للعمل والمساهمة في حركة التنمية ضمن سياق المجتمعات وتنوع أنشطتها لتتعدى مجالي الصحة والتعليم إلى التجارة والأنشطة المصرفية والمهن الهندسية والصناعية، مثلها مثل الرجل سواء بسواء، على أساس أن هذا أحد الأسباب التي أدت إلى تلك الأحداث المأساوية. وهذه الضغوط وإن كان «ظاهرها فيه الرحمة»، إلا انها تبشر بمستقبل مخيف ينتظر المرأة والأسرة المسلمة - وهي الأكثر نمواً والأكثر استقراراً - إن هي استجابت لتلك الضغوط وسارت مع التيار ورددت ما يقال عنها بوعي أو بدون وعي!. وعند النظر إلى ما يقال عن بطالة المرأة السعودية يتضح انه يجانب الواقع والحقيقة التي تعيشها المرأة السعودية مقارنة بغيرها من نساء الأرض. فالبطالة في معايير المنظمات الدولية والمجتمعات الصناعية تعني عدم التحاق الفرد بعمل رسمي «حكومي أو أهلي»، أو عدم حصول الفرد على دخل ثابت من جهة ما، أو عدم قيام الفرد بعمل منتج يصب مباشرة «عددياً» في اقتصاد المجتمع. وهذا المفهوم فيه كثير من الصحة عند تطبيقه على المجتمعات الصناعية ذات الأسر المفككة وانعدام الترابط الفطري بين الأبناء والآباء لعدم وجود هذه الروابط أصلاً، «تصل نسبة المواليد غير الشرعيين في بعض الدول الصناعية إلى 80٪»، لأن البديل لعدم العمل الرسمي هو الخروج إلى الشوارع أو اللجوء إلى السرقة أو أداء أعمال ممنوعة لا يرتضيها المجتمع. وهذا يفسر انزعاج تلك المجتمعات من البطالة، ومنحها أولوية تعنى بحلها مؤسسات المجتمع صغيرها وكبيرها.ولكن بإعادة النظر في هذا المفهوم ومحاولة تطبيقه على المجتمع السعودي المتخم بالمواليد وصغار السن الشرعيين الذين يحتاجون إلى عظيم رعاية وكثير اهتمام، نجد ان العناية بهؤلاء الأطفال وتربيتهم تربية حسنة وإعدادهم للحياة وتهيئة الجو الأسري الآمن المطمئن يجب أن يكون من أولويات المجتمع، وأهم وأعظم خدمة يمكن أن تقدمها المرأة لمجتمعها قبل أسرتها ذلك أن هؤلاء الصغار هم عماد المجتمع وأمله المنشود، وعليهم يعتمد بعد الله في دعم خطط التنمية المستقبلية. وانه من المغالطة المستفيضة والظلم العميم أن توصم المرأة السعودية - المتزوجة وغير المتزوجة - المستقرة في بيتها الراعية لأسرتها بأنها «عاطلة» وتضم إلى أرقام «البطالة» بينما هي تقوم بأهم الأعمال التي يحتاجها المجتمع، تلك الأعمال التي لا يحسن القيام بها إلا هي. ألا ننظر إلى حكمة العزيز الحكيم حينما أخرج موسى عليه السلام من قصر فرعون المشيد وأعاده إلى بيت أمه البسيط ليرده إلى {أهل بيت يكفلونه وهم له ناصحون}، أو قل بالمصطلح المعاصر إلى «أصحاب المهن النادرة» والتي تعرف بأنها المهن التي لا يحسنها إلا أشخاص قليلون يجب أن «يصرف» لهم بدل «ندرة» بدلاً من رشقهم بمفاهيم التخلف والبطالة!... فبدلاً من أن يقال ان المرأة السعودية تقوم بأعمال جليلة لا يحسنها غيرها، يقال انها عاطلة معطلة!. وإذا كانت احصاءات وزارة التخطيط الحديثة تفيدنا أن نسبة بطالة المرأة لدينا عالية جداً بحسب المعايير الدولية، فهل ترون مع ذلك النساء في الشوارع تبيع أنفسها؟، وهل سجلت سرقات يومية قامت بها هؤلاء العاطلات؟.. إن الواقع يقول ان شوارع «ادجور رود» و«اكسفورد ستريت» و«مانهاتن» وباريس هي المكان الذي تباع فيه المرأة بعشرة دولارات في الليلة، ومراكز البكاديلي وأقسام الشرطة في أمريكا وفرنسا وغيرها تخبركم عن المخالفات الاجتماعية المريرة للمرأة «العاملة» في تلك الدول «المتقدمة». وبحسب هذا المفهوم الغريب فإن المرأة تدرس في مدرسة (أي تدرس أبناء الناس) هي امرأة عاملة داعمة لتنمية المجتمع، بينما المرأة السعودية التي تربي أبناءها في بيتها هي امرأة عاطلة. والمرأة تعد الطعام وتقدمه للآخرين في مطعم ليلي معرضة نفسها للخطر، أو في آخر الليل على متن رحلة دولية، هي امرأة عاملة، بينما المرأة التي تعد الطعام لزوجها وأبنائها في بيت وارف الظلال، هي امرأة عاطلة. والمرأة التي تعمل سكرتيرة في شركة تجارية أو إدارة عامة ولا تسلم من تحرشات هنا وهناك، هي امرأة عاملة، أما المرأة التي تدبر أعمال زوجها في بيئة هادئة هي امرأة عاطلة.المرأة تعمل في مصرف عام تتعرض للجمهور امرأة عاملة، بينما المرأة التي تحفظ أموال زوجها وتعينه على تدبيرها هي امرأة عاطلة. وكثيراً ما يحتج بتجارة خديجة بنت خويلد زوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كمثال على تجارة المرأة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل كانت هذه التجارة قبل الزواج من النبي الكريم أم بعده؟ لقد فوضت خديجة زوجها صلى الله عليه وسلم قبل الزواج للتجارة بدلاً عنها، ثم تفرغت بعد زواجها منه للقيام بمهن أساسية لا يحسنها إلا المرأة، وهي رعاية الأسرة، والعناية بها وتهيئة الجو المناسب للعيش الرغيد، ولذلك كانت رضي الله عنها خير مواس للنبي صلى الله عليه وسلم عند بداية نزول الوحي عليه فقدمت له وللأمة بعده دوراً جليلاً- لعبته داخل المنزل- لم يكن لأحد أن يقوم به. كنت قبل مدة قصيرة في مطار «أوساكا» الياباني، ومرت من أمامي فتاة بلباس شرطة تابعة لأمن المطار، وبعد تلقيها مكالمة يبدو أنها أمنية هرولت الفتاة وبعد صعودها لدرج أمام صالة المطار اختل توازنها وتناثر حذاءاها ذوا الكعب العالي يمنة ويسرة، مما جعل من حالها منظراً للشفقة لاتحسد عليها، فتساءلت في نفسي: ألهذا خلقت المرأة؟ كم أتمنى أن تحول الأعمال الجليلة التي تقوم بها أمهاتنا واخواتنا في المنازل في تربية أجيال المستقبل، والوقت الكبير الذي يقضينه معهم إلى وظائف رسمية يصرف عليها مثلما يصرف على اللاتي يربين هؤلاء الاجيال في الصباح، ويقضين معهم سويعات قليلة، ولو حولت أعمال ربات المنازل وصانعات الأجيال إلى وظائف رسمية لانحدرت نسبة بطالة المرأة لدينا إلى أرقام ضئيلة تقترب من الصفر. أيها المخططون والمنادون بعمل المرأة قليلاً من الإنصاف والشفقة على المرأة وعلى الرجل، واحذروا أن تعينوا على هدم بناء الأسرة الذي نفتخر به بين الأمم وصمود المرأة. إني على يقين أنه لو أعيد النظر في تصحيح مفهوم عمل المرأة وعطلها في بلادنا لوجدنا أنها أكثر امرأة عاملة في العالم، وأكثر امرأة منتجة، ولتدنت نسبة البطالة إلى رقم «حقيقي» جدير أن نتفاخر به بين الأمم، بدلاً من ظهورنا بين الفينة والأخرى كحمل وديع يخشى خطيئته. عميد الدراسات العليا بجامعة طيبة