انتهى مسلسل ليالي الصالحية، هذا المسلسل السوري الذي أعاد لنا طعم الأصالة، نبهنا إلى عبق التاريخ السوري إلى عمقه وتغلغله، إلى مجتمع الحارة القديمة، إلى النكهة السورية المعتقة، جعلنا نبحث حولنا عمن نعرف من سيدات سوريات ودمشقيات تحديداً لنسألهن، عن عادة أو طبخة سورية، لقد شغفنا بمنظر صنع الكبة السورية، كما شغفنا بالبيت السوري القديم، بأبناء البلد بحديث السوريات ولكنتهن القديمة، حيث وردت عبارات لم يعد السوريون يستعملونها خاصة إذا قارنا بين مسلسل (أحلام كبيرة) ومسلسلنا هذا. هذا المسلسل أتت قوته من قوة الاقناع الذي به، عرف المخرج كيف يدير الأدوار ويوزعها، الممثلون تلبسهم الدور ولبسوه روحاً وجسداً، كرهنا دور الممثلة منى واصف تلك التي تجبرنا دائماً على التمسك بمواعيد عرض مسلسلاتها سواء ناطقة بالعربية الفصحى أو باللهجة السورية. وهي تمثل دور المرأة الحقود الشريرة التي تنفث الأحقاد وتشعلها ناراً فيما حولها حتى كادت تحرقها. القصة تكاد تكون بسيطة ومكررة، انها قصة الحارة وولدي عم، أحدهما يمثل الخير في قمته وآخر يمثل الشر في كل أبعاده، رغم أن الفكرة لم يعد لها وجود أبداً، فالشر ربما هو الذي يتمثل بنسب مختلفة حتى يصل إلى الذروة، لكن الخير له نسب لكن لا يبلغ الذروة أبداً.. وربما ذاك ما جعلنا متشوقين لمتابعة المسلسل، فإذا فقد الخير من عالم الواقع فعلى الأقل نراه في عالم التلفزيون بعيداً عن الأخبار وما يدور برحاها، والزلازل وما تضرب. قوة المسلسل تأتي ايضاً من التصوير الرائع والطريقة السينمائية في لقطاته، الملابس، المواقع، وسائل المواصلات، والخلفيات الموسيقية بحيث لم تغفل نقطة يحاسب فريق العمل عليها من الأثاث إلى الطرق الزراعية، والبيوت، وحمام النسوان، وهذه أول مرة يظهر في المسلسلات السورية حمام النسوان، حمام يظهر لنا عادة السوريات في الحمام، حمام الزفاف وحمام النفاس، إن لم نر الوجبات وما إليه فإن المخرج والمنتج عمدا للتعويض عن ذلك عبر الحوار بين الجارات. كما عرفنا مقدار التسامح بين الضرات وحبهن لبعضهن، وإن كان ذلك الحب مصدره الرجل الذي يظهر بالمسلسل كأنه الشمس التي تدور حوله الكواكب. عايشنا القصة كثيراً لدرجة انه عندما قيل عن استشهاد ابن الأسرة دعينا أن يعيده الله قبل نهاية المسلسل فلما عاد فرحنا وكأن الله عز وجل استجاب للدعاء. الدراما السورية التلفزيونية قطعت شوطاً طويلاً ورائعاً في طريقة العرض، اختيار القصة، العناية بالحوار دون أيما إسفاف، ورغم الحلكة في بعض المواقف فهي تعطي مجالاً صغيراً لبسمة هنا وهناك. كما أنها لا تجعل الأمور قاتمة جداً، فالحزن مثلاً لا تستدر له الدموع كثيراً. إذا كانت المسلسلات السورية سحبت البساط من المسلسلات المصرية التي بدأت أفكار بعضها معادة ومهلهلة، بل انها مسحت صورة الممثل البطل الذي تعودناه مثل نور الشريف ومسلسل (عش أيامك) الذي كان في غاية الإرباك من حيث الأفكار التي بدأت مشتتة ومحشورة حشراً، ومن قصة لأخرى، فهو يستجدي الضحكات بإسفاف - فكرة المحلل والزوجة التي تركض وراءه من مكان لآخر - فكرة زفاف الجد - وزفاف الأم والأب مرة أخرى - عريس البنت الكبرى - وكذا المسلسل الرخيص جداً (لقاء على الهواء)، لذا أتمنى ان تعود للمسلسلات قوتها، بل أتمنى أن نقدم عملاً عربياً مشتركاً يحكي قصة أيام النهضة العربية ما كان بين أقطار الوطن العربي كافة من وشائج. على كل المسلسلات السورية تخدم سوريا كثيراً، ليس بالدخل المادي ولا بنشر الفكر النقي، ولكن حتى سياحياً، خاصة من عرض المناظر الطبيعية بطريقة رائعة.. كما لا ننسى المسلسلات التاريخية، التي قامت على بعضها ضجة كبرى من قبل إسرائيل وأمريكا لطمس الحقيقة مثل مسلسل (الشتات) رغم أن معلوماته متوفرة في مصادر كثيرة.