هل ما حدث ويحدث في السودان سببه فراغ سياسي بالداخل عطل الوحدة الوطنية والتنمية، أم أن للخارج شراكة بتأزيم الأوضاع وإيصالها للحروب، وبروز القبليات وصراع الأثنيات، أم انهما معاً تعاونا على خلق هذه الأجواء المشحونة، التي بدأت بحرب الجنوب، وامتدت إلى دارفور، ثم الآن إعلان ما يشبه الحرب بين تشاد والسودان؟ إذا فهمنا أنه من السهل توظيف أي توتر داخلي في خدمة المصالح الفئوية أو الأجنبية، فالسودان بؤرة لهذه المشكلات، ومنشأ القضية أن هذا القطر الكبير المتعدد الأعراق، والإمكانات، تحول إلى مركز تنازع بين قوى الخارج، وإذا ما اهتدينا إلى ان إقليم دارفور غني بالنفط، فإن العيونالأمريكية، كانت تؤجل حلول تعقيدات السودان حتى لا تقترب منها أي دولة أخرى، ثم إن نفطه يعتبر احتياطياً لأزمنة قادمة، لكن دخول الصين إلى المحظور الأمريكي، أو ما تعتبره مناطق نفوذها، فجر هدنة القبائل مع بعضها، وبعدما يسمى بشبه التفاهم بين تلك الأعراق، دخلت تشاد في النفق ذاته، وسواء كانت قبيلة (الزغاوة) التي تتمركز قوتها في السودان وتتمدد إلى داخل تشاد، تريد لعب دور المستفيد من النظامين في البلدين المتنازعين، إلا ان الشكوك بتوظيف هذا الصراع، لا تخلو من نفَس دولي خارجي.. قطعاً دخول الصين باستثمارات كبيرة للسودان، يعني أنها تواجدت على البوابتين العربية والافريقية، أي ان القيمة الاستراتيجية، مضافة للنفط تعني أن حصيلة المكاسب كبيرة لدولة تريد أن تلعب دور الفاعل والداخل إلى جميع بوابات العالم، وهذا ما يزعج أمريكا، لاسيما وأن الصين عضو بالاتحاد الأفريقي، الذي يتيح هذا التميز لدخول أي دولة أجنبية، ومن أي قارة، ولعل مضمون تحريك صيحات الحرب أن الأزمة الداخلية للحكم في تشاد، أوجدت صيغة أخرى لنقل المعركة لأرض خارجية مجاورة.. السودان محتاج لتقوية جبهته الداخلية، والتصالح مع دول الجوار، وهي طرق لابد من السير بها بخطى معتدلة إذا ما كان يريد أن تتحول جاذبية الدول الخارجية من حالة الهيمنة على موارده، ولو على حساب، تقطيعه، إلى استثمارات تنشأ عن علاقة طبيعية تتصالح فيها السياسات، لتتأكد المصالح، وبلد يملك قدراً هائلاً من الموارد الطبيعية في زمن عالم جائع للطاقة، ووجود فوائض مالية تريد أن تتحرك باتجاه منافذ جديدة يجعلان السودان الأهم، والأقرب إلى الحصول على هذه الامتيازات، لكن كيف له أن يتجنب مزالق الخطر، ذلك عمل يجب أن ينبع من السودانيين أنفسهم، وإلا ابتلعتهم الحيتان القادمة..