من أجل الدخول الى قلب مدينة، من أجل الإمساك بأكثر أسرارها دقة، ينبغي العمل بأكبر قدر ممكن من الحنان وكذلك بصبر يدفع أحيانا الى فقدان الأمل. على المرء أن يلامسها من دون مراءاة، أن يداعبها من دون كثير من الأفكار المسبقة، وذلك لعدة قرون من الزمن. الأسواق بوابة المدينة. هذا باختصار شديد موضوع هذا الكتاب الصادر مؤخرا عن دار قدمس بدمشق للكاتب فرانك مرميه وتعتبر هذه الدراسة القيمة للحياة في العاصمة اليمنية صنعاء وصفا لتاريخها الحديث الممتد لماض عريق من خلال مكونات الحياة الاجتماعية واسواقها واقتصادها التي يميزها: شيخ الليل «حارس السوق» وشيخ الاسلام وشيخ الربع وشيخ القطعات وشيوخ الارباع وصقالوا العقيق والعاقل والطوائف الحرفية وامين السوق والجابي والجنبية والحرازيين والحكي باليد والحمامات العمومية وتفاصيل كثيرة اخرى . وتعتبر صنعاء واحدة من احدى اقدم المدن العربية واعرقها ولعل هذه الدراسة تساعد في فهم تطور المجتمع المديني العربي ومؤسساته المختلفة من دون ان يعني ذالك نسيان خصوصية كل حاضرة وتميزها من غيرها . و الدخول الى صنعاء عبر باب اليمن البوابة الجنوبية للمدينة والسوق وهي البوابة الوحيدة التي لم يجر تدميرها بعد ثورة 1962، وتمثل وظائف السوق المتعددة تلك موضوع هذه الدراسة التي تعالج في الوقت نفسه المجتمع الحضري مثلما يبدو في مرآة الأسواق. وسواء على مستوى المؤسسات والفئات الاجتماعية أم على مستوى أشكال التمثيل العقدي، نجد تداخلا كبيرا بين السوق والمدينة. المؤلف ومن خلال بحثه الميداني وتوثيقه التاريخي يقود القارئ الى شوارع المدينة العتيقة وطرقها الضيقة ليصل الى اسواقها الكثيرة، اذ ان صنعاء تحتل منذ الحقبة السابقة للاسلام مكانة متميزة في التاريخ الديني والسياسي للبلاد وموجودة منذ القرن الاول للميلاد وذالك عبر نقش يشهد على اقامة قبيلتين في المدينة هما سبأ وفيشان .وتاتي الاهمية التاريخية والاستراتيجية لصنعاء في تلك الحقبة كونها بوابة المناطق الشرقية والشمالية وكانت موقعا عسكريا متقدما للدولة السبئية وعاصمة ثانية بعد مأرب اضافة الى مكانتها السياسية خلال الحقبة الاسلامية. يتحدث الفصل الاول من الكتاب عن تاريخ المدينة والسوق من خلال شهادات الرحالة والاخبار المحلية ويعيد رسم مختلف مراحل التطور الاجتماعي والاقتصادي للمدينة والنظام البلدي فيها اضافة الى تحديد وضع صنعاء في محيطها القبلي وعلاقتها بالدولة. اما الفصل الثاني فيتناول علاقة التراتبية الاجتماعية بتراتبية الحرف وفي الفصل الاخير يتناول الكتاب عرضا لاسس التنظيم النهني للسوق عن طريق عزل بعض العناصر التي تبدو كأنها تكون منظومة السوق.