أتفهم جيدا شدة الألم وخيبة الأمل التي اجتاحت الشارع الرياضي السعودي جراء الانتكاسة التي تعرض لها منتخبنا الوطني في «خليجي 17» والتي جاءت كثالث ضربة موجعة تتعرض لها الرياضة السعودية في غضون عامين بعد فضيحة مونديال كوريا واليابان والسقوط المؤلم في كاس آسيا بالصين. ?? هذه الانتكاسة التي فتحت أبواب النقد واللانقد على مصراعيه حتى خاض في الأمر من يعرف ومن يخرف بصورة أوحت وكأن الرياضة السعودية تمر بحالة موت إكلينيكي وتنتظر - فقط - رصاصة الرحمة الأخيرة، لا على أنها انتكاسة قد تعقبها انتفاضة وتحقيق إنجاز تلو آخر. ?? وإذا كان الأمر معقولاً حين يصدر من عوام الناس فإنه - بالطبع - لن يكون كذلك حينما يصدر من سدنة النقد الرياضي المحلي وخزنته والقابضين على مفاتيحه . ?? فالأيام الأولى التي أعقبت الخسارة القاسية من البحرين والتي حزم على ضوئها الأخضر حقائبه مودعا الدوحة افرزت نوعاً جديداً من النقد لم نعتد عليه ولا نريد ان نعتاده وهو ما يمكن ان اسميه بداية التأسيس لثقافة الهزيمة هذه الثقافة التي تدعو لبث البؤس والإحباط في نفوس الجماهير أسوة بتلك الثقافة التي عاشتها بعض الشعوب المهزومة ثقافياً وعسكرياً وحتى رياضيا فلم تستطع الخروج من نفق ثقافة الهزيمة التي توارثتها جيلا بعد آخر . ?? فثمة نوع من النقاد بدوا متفاعلين بشكل واضح مع انتكاسة الدوحة ولكن عبر اطروحات لم تكن في واقعها معبرة عن قناعاتهم بقدر ما كانت تجاوبا مع الافرازات التي خلفتها الخسارة الموجعة، فيما جنح البعض منهم إلى تأليب الرأي العام واستغلال حالة الهيجان الجماهيري رغبة في تحقيق مكاسب شخصية باعتبارها فرصة لا تفوت في تسجيل حضور قد لا يتكرر كثيرا وذلك بالعزف على وتر العاطفة الجماهيرية. ?? وفي ظل ذلك تولد جو من الاحباط، وسادت حالة من الانهزامية النفسية، خاصة وان من سعوا لتأسيس ثقافة الهزيمة في نفوس جماهير الوطن قدموا صورة سوداوية للوضع الرياضي العام، ولذلك سمعنا آراء جماهيرية كثيرة معظمها كان تجاوبا مع تلك الثقافة الجديدة، ولذلك ظهرت اراء عديدة تحاول تصوير الوضع الرياضي السعودي وكأنه وضع أسود قاتم لا بياض فيه سواء على صعيد اتحاد الكرة او المنتخب وحتى الأندية. ?? لاحظوا، كل ذلك حدث لمجرد أننا خسرنا بطولة، لا أقول فيها انها غير مهمة او ان هناك ما هو اهم منها كما يبرر لها اخرون، ولكن أقول ان تداعيات الهزيمة وافرازاتها والسعي لتأسيس ثقافة الهزيمة لا يتناسب مع مجرد خسارة او حتى انتكاسة لان في مثل تلك الثقافة مساسا بالوعي الوطني ولدينا من الشواهد ما تجعلنا ننأى بأنفسنا من الركون لمثل هذه الدعوات فكم من دول قريبة منا سادت رياضيا ثم بادت لانها حتى اليوم لا زالت حبيسة ثقافة الهزيمة . ?? وليس ثمة مبالغة حينما اقول بأن خطورة مثل هذا النوع من الثقافة يتعلق حتى بثقافتنا ووعينا الوطنيين لأنه متى امتزجت هذه الثقافة بذهنية المواطن فإن انتشاله من براثنها سيكون صعباً جداً، والمتتبع لثقافات الشعوب يدرك ذلك جيدا، فكم من دول لا زالت تعيش الانهزامية مع نفسها لمجرد انها ركنت لهذه الثقافة التي حولتها إلى واقع معاش وخبز يومي لا يستغنى عنه، في الوقت الذي نهضت فيه شعوب من انقاض الحروب والدمار كما فعل الألمان واليابانيون لمجرد أنهم قالوا لا لثقافة الهزيمة !. ?? إذن من الجميل ان نتعامل مع ما تمر به رياضتنا على انه وعكة، أو ليكن مرضا نبحث له عن علاج لا ان نتعامل معه على انه فالج فلا نعالج كما يريد البعض تشخيصه!.