والإنسان حين يصل إلى عتبة الثمانين أو يتجاوزها يهيئ نفسه لمغادرتها آسفاً أو متنفسا الصعداء فأحدهم يقول وأحسب أنه زهير بن أبي سلمى: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم والنابغة الذبياني يقول : المرء يأمل أن يعيش وطول عيش قد يضره تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مرّه وتسوءه الأيام حتى لا يرى شيئاً يسره كم شامت بي أن هلكت وقائل لله دره ويقال أن الخليفة أبا جعفر المنصور رددها قبل أن يموت وهو في طريقه إلى الحج. أما الشاعر الفرنسي شارل جابرييل لاتينيان المتوفى سنة 1779 وقد عاش اثنين وثمانين عاماً فيقول : وقريباً سأبلغ الثمانين ومن يصل إلى هذا العمر يجب أن يستهين بالحياة ولهذا سأفقدها بدون أسف وألملم ما بقي منها ولقد استمتعت بكل المباهج واستهلكت نفسي في كل الملذات والآن يقتلني السأم وحين لا يرجى من الإنسان شيء فعليه أن يتوارى ويحسن به أن يقول مساء للصحب أما الشاعر الجاهلي العظيم دويد بن زيد الحميري فيقول إنه لم يهنأ في حياته بالسكينة والاستقرار وأدرك أن الموت هو المقر الوحيد: اليوم يبنى لدويد بيته ياربّ نهب صالح حويته ورب قرن بطل أرديته لو كان للدهر بلى أبليته أو كان قرنى واحدا كفيته