بعيداً عن السياسة. النابغة الذبياني قال: المرء يرجو أن يعيش وطول عيش قد يضرّه تفنى بشاشته ويبقى بعد طول العيش مُرّه وتسوء الأيام حتى لا يجد شيئاً يسرّه كم شامتٍ بي إن قضيت وقائل لله درّه إذا كانت بشاشة العيش تفنى مع التقدم في السن فلماذا الرياضة لزيادة سنوات بلا طعم أو رائحة أو لون؟ الكسل أفضل لأنه مضمون النتائج، فالكسول يحصل على مردود عن كسله فوراً. والمسنّ سألته زوجته ماذا يعمل، ورد: لا شيء. وقالت: كنت تعمل لا شيء أمس. ورد: لم أنته منه أمس. وأسأل متى يكون الإنسان شاباً أو كهلاً؟ أفترض أنني في الستين وأجد أنني شاب لو كنت سلحفاة، وميت منذ 45 سنة لو كنت قطة، ومسنّ لو كنت غوريلا. الإنسان يمارس الرياضة ليعيش بضع سنوات إضافية، وهو لو فعل لقضى هذه السنوات في مصح للمسنين وأسرته تدفع ألوف الدولارات كل شهر لإيوائه. بالنظر إلى معاناة أهالي حمص هذه الأيام لا أجد لائقاً أن أحكي طرفة عنهم، فأقول إن صعيدياً نصحه الطبيب بالمشي عشرة كيلومترات كل يوم. واتصل الصعيدي بالطبيب بعد شهر وقال له: وصلت إلى القاهرة. ماذا أفعل الآن؟ (في النكتة الأصلية وصل إلى حلب). هذه الأيام الأميركيون يشكون من زيادة أسعار البنزين، وهي ربما ترتفع إلى درجة أن لا يعود الأميركي العادي قادراً على دفعها، ما قد يضطره إلى المشي للمرة الأولى في حياته. وبما أن نصف الأميركيين يعاني من السمنة ونصف النصف من سمنة زائدة فالمشي سيكون رياضة من دون قصد. الرجل الفقير يركب دراجة هوائية إلى العمل، فإذا أصبح ذا مال يركب دراجة للرياضة. وهذا يذكرني بفقير طلب من الله «بسكليت» ولم يحصل عليها، فسرق بسكليت وطلب من الله أن يغفر له. الفلوس تفتح شهية الرجل، فهو عندما يكون فقيراً يحلم بالزواج، فإذا أثرى وتزوج يحلم بالطلاق. وعندما لا يكون الرجل ثرياً تساعده زوجته وكأنها سكرتيرة، فإذا أثرى طلّق زوجته وتزوج السكرتيرة. يقولون إذا نجح رجل فوراءه امرأة، وأقول إذا فشل رجل فوراءه امرأة أخرى. لاحظت أن الإنسان عندما يبلغ وسط العمر يسمن، والرجل يكبر كرشه، والمرأة تعرض عجيزتها (وهي كلمة من القاموس) والاثنان يكسبان شكلاً انسيابياً يطلبه مصممو سيارات السباق لتخفيف مقاومة الهواء لسرعة السيارة. أكتب عن الناس والرياضة والطعام، وأجد أن الإنسان لا يكون في حال حتى يطلب غيره، فإذا حصل على ما يريد طلب العودة إلى ما كان عليه، أو أصبح يطلب حالاً جديداً. الشاعر القديم قال: يطلب الإنسان في الصيف الشتا فإذا جاء الشتا أنكره ليس يرضى المرء حالاً واحدا قتل الإنسان ما أكفره لا أعتقد أن الإنسان يكفر لمجرد أن يطلب التغيير، وإنما يكتشف أن الحال «من بعضه» فيندم، وامرؤ القيس قال: أرانا مُوضِعين لأمر غيب ونُسحر بالطعام وبالشراب عصافيرٌ وذبانٌ ودودٌ وأجرأ من مجلّحة الذئاب إذا كانت بشاشة العيش تفنى مع التقدم بالسن حتى يصبح للطعام والشراب مرارة في الفم فلماذا الرياضة التي تزيد أرذل العمر لا أجمله؟ عندنا درس من جيمس فيكس الذي أرجّح أن القارئ العربي لم يسمع به، مع أنه يُعتبر في الولاياتالمتحدة العقل وراء إطلاق هواية العدو كرياضة تطيل العمر. فيكس ألّف كتاباً سنة 1977 اسمه «كتاب الركض الكامل» بقي في رأس قائمة أعلى الكتب مبيعاً نصف سنة، غير أنه توفي في 20/7/1984 وهو يعدو عن 52 سنة فقط. وتبيّن من الفحص الطبي أن شرايين قلبه شبه مغلقة، ما أصاب رياضة العدو بنكسة لولا أن هبّ أطباء للدفاع عنه وعنها، وقالوا إن فيكس كان يعاني من مرض وراثي في القلب، وأباه توفي بسكتة قلبية وعمره 43 سنة. لا أجزم برأي مع الرياضة أو ضدها، ولكن أجزم بأن الكسل مردوده لا تنازع عليه. [email protected]