صحيفة أم القرى منذ انشائها وهي بمثابة منشور رسمي، تصدره الدولة. وتنشر فيه ماتريد من معلومات وقرارات، وتحجب ما تريد. بالإضافة إلى أن الصحيفة تفتقر إلى الرأي، فليس في الجريدة منذ إنشائها صفحات للرأي. بل كل ما فيها أخبار وحسب سأبدأ حديث الأربعاء هذا بسؤال كبير على غير عادتي. هذا السؤال هو: ما فائدة ما ينشر في جريدة أم القرى للمؤرخ منذ إنشائها ؟ ومناسبة هذا السؤال ومن ثم هذا الحديث. أن وزارة الثقافة والإعلام ودارة الملك عبدالعزيز تقيمان ندوة علمية عن جريدة أم القرى في مكةالمكرمة. حيث تشهد العاصمة المقدسة اليوم فعاليات هذه الندوة التي سوف تتعرض بالدراسة والتحليل لكل ما يتعلق بصحيفة أم القرى. لقد ظهر العدد الأول من صحيفة أم القرى يوم الجمعة 15/5/1343ه . ومازالت صحيفة أم القرى تحافظ على موعد صدورها أيام الجمع منذ ذلك التاريخ إلى هذا اليوم. وبعد شهر وأيام من الآن تكون صحيفة أم القرى قد خلعت من عمرها المديد احدى وثمانين سنة. وعطفاً على السؤال الذي افتتحت به هذا الحديث. أقول انه سؤال كبير لأن المؤرخين منقسمون بين من يرى في الصحيفة فائدة كبيرة، خصوصاً أنها الصحيفة الرسمية، وفي سنواتها الأولى تصدر عن الشعبة السياسية، وهذا القرب من صانع القرار يعطيها فرصاً مواتية للحصول على الأخبار السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من منبعها. وهي فرص قد لا تتوفر لغيرها من الصحف. وهناك فريق من المؤرخين يرى أن صحيفة أم القرى منذ انشائها وهي بمثابة منشور رسمي، تصدره الدولة. وتنشر فيه ماتريد من معلومات وقرارات، وتحجب ما تريد. بالإضافة إلى أن الصحيفة تفتقر إلى الرأي، فليس في الجريدة منذ إنشائها صفحات للرأي. بل كل ما فيها أخبار وحسب. والحق أن الأمر في غاية الصعوبة، إذ كل فريق لديه من الحجج ما يجعل قبول رأيه سهلاً. صحيح أن ما نُشر في جريدة أم القرى مما يُعد تاريخاً يكاد يكون قليلاً. ولعل السبب في ذلك يعود لحجب المسؤولين بعض القضايا التاريخية. لكنني أرغب في تأكيد حقيقة أن مواد جريدة أم القرى لم تكن متاحة للمؤرخين داخل المملكة وخارجها. وسبب ذلك أن الجريدة غير موجودة بكامل أعدادها في مراكز البحوث والجامعات في الداخل والخارج. وأنها لم تُفهرس بشكل كامل وشامل. وأنها لم تخضع لدراسات تتناول الجانب التاريخي لما نشر فيها من أخبار وقضايا. وقد يحزن المرء عندما يجد دراسات تاريخية حديثة عن المملكة، ولا يجد جريدة أم القرى ضمن مصادر تلك الدراسات. وأهمية جريدة أم القرى من الناحية التاريخية في نظري تكمن في النقاط التالية: (1) أنها الجريدة الرسمية الوحيدة التي واكبت عقدين كاملين من حياة مؤسس المملكة العربية السعودية. ولهذا استحوذت على نشر مُعظم الوثائق والقرارات والنظم والاتفاقيات والأخبار السياسية والإدارية للحكومة السعودية ووجهة نظرها تجاه كثير من القضايا الإقليمية أو الدولية. (2) أنها الجريدة الوحيدة التي عاصرت أحداثاً سياسية وعسكرية مرت بها البلاد السعودية مثل: ضم جدة عام 1344ه وإنشاء مجلس الشورى عام 1345ه، وحرب السبلة عام 1347ه وضم جازان عام 1349ه واعلان المملكة العربية السعودية عام 1351ه واكتشاف الزيت عام 1357ه وغيرها من الحوادث والوقائع. وفي هذا كله تصبح أم القرى مصدراً أولياً لتاريخ البلاد السعودية، قد لا ينافسه مصدر آخر، كونها، أي الجريدة،. تستقي معلوماتها وأخبارها من قلب الحدث أو من جهة رسمية. (3) انفردت جريدة أم القرى بصفة ظلت لازمة لها سنوات طويلة، وهي أنها نشرت قصصاً وأخباراً ومقابلات هي من صميم التاريخ الشفاهي. لم يسبق لتلك الأخبار أو القصص أن وجدت طريقها للنشر. وبالتالي تُعتبر جريدة أم القرى أول مطبوعة سعودية تعمد إلى تدوين التاريخ الشفاهي أو الروايات الشفاهية. (4) عمدت جريدة أم القرى إلى نشر ملخصات لكل المقابلات الصحفية التي تمت مع الملك عبدالعزيز، وبهذا يمكن القول ان الجريدة تقدم مصدراً لتاريخ الملك عبدالعزيز أو سيرته الذاتية، أو تاريخ المملكة الحديث قلما يتوفر في مطبوعة سعودية أو عربية أخرى. (5) دأبت جريدة أم القرى على نشر أخبار الأعلام في المملكة وشيء من تراجمهم وتاريخ وفياتهم، وهذا الأمر بمثابة توثيق دقيق لسير بعض الأعلام الذين لا نجد لهم ذكراً في مطبوعة سعودية أو غير سعودية أخرى. (6) عنيت صحيفة أم القرى بكل ما يمت إلى الإصلاح الاجتماعي والتربوي والديني والاقتصادي في البلاد السعودية والرفع من شأنها، وبهذا تكون حفظت لنا التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والديني. (7) اهتمام صحيفة أم القرى بالأدب والأدباء ونشر إنتاجهم. واهتمامها بأخبار العلم والاكتشافات واذاعة ذلك من أجل اطلاع القارئ السعودي. وبهذا تصبح مصدراً للتاريخ الأدبي. (8) أن صحيفة أم القرى هي الصحيفة السعودية الأولى التي استطاعت أن تنشر السيرة الذاتية الكاملة للملك عبدالعزيز وابنيه الملك سعود والملك فيصل، وذلك بإصدار عدد ممتاز ملون في يوم 4/ شوال/ 1369ه الموافق 10/ يوليو/ 1950م، وذلك بمناسبة ذكرى مرور خمسين عاماً على دخول الملك عبدالعزيز الرياض. وميزة هذه السير أنها تصدر وأصحابها على قيد الحياة، مما يُعطي ما ورد فيها من معلومات تاريخية مصداقية. إذ لم يحدث أن ورد للصحيفة تصحيح أو تنبيه أو إضافة إلى السير الثلاث. (9) ولا يعزب عن البال أن الكتاب في زمن صدور أم القرى المبكر لم يكن قادراً على إعطاء صورة كاملة عن الوضع السياسي للبلاد السعودية، نظراً لمحدوديته أو انعدامه. وبهذا تكون جريدة أم القرى المصدر الوحيد المتاح. (10) توفر للجريدة مساحة من حرية النشر لم يكن متاحاً لصحيفتي (صوت الحجاز أو صحيفة القبلة) بل يمكن القول ان حرية النشر التي عرفتها جريدة (أم القرى) لم تتح حتى لصحف صدرت بعدها. وهذا يجعل ما ورد فيها من آراء أو مقالات صحيحاً أو قريباً من الصحة. على أن سقف الحرية المذكور بدأ يضعف بوتيرة مستمرة وبطيئة بعد عشرين سنة من تأسيسها. ولعل شعور رئاسة تحرير صحيفة أم القرى بريادتهم في العمل الصحفي هو وراء نغمة ما أسمته في مقال افتتاحي في عدد 655 عام 1937م (فلا حرج أن نشير إلى بعض الالتزامات التي هي في عنق الصحف والصحفيين، والتي هي دستور جميع الصحف المحترمة في جميع الأمم) وهذا أمر يحسن بالمختصين في الإعلام الصحفي ملاحظته والتحقق منه وبيان أسبابه