«ما دام ضميري مرتاحا، لست خائفا، أجرّب ألا أخاف، شجاعتي تنبثق من إيماني بالله، أخاف على من أحبّهم أكثر مما أخاف على نفسي، مررت في حياتي في مراحل خطرة، لذا أعتبر أن كلّ لحظة أعيشها اليوم هي نوع من المكافأة(Bonus.) أصدقائي ماتوا قبلي ليس لي الحقّ أن أبقى على قيد الحياة وهم ذهبوا، لست أفضل منهم وعلى أي حال لا أحد يموت قبل أوانه». هذا ما قاله الشهيد النائب جبران تويني في آخر حديث أدلى به إليّ في 4 تشرين الثاني الفائت عندما سألته إن لم يكن يخاف على حياته المهددة بالأخطار، وكان الحديث سينشر في كتاب خاص عن شخصيات عدّة. أبصر جبران تويني النّور في 15 أيلول عام 1957، درس في «الإنترناشونال كولدج» وفي «المون لاسال» ثم تابع دراساته العليا في باريس. لم تكن طفولته سهلة. كانت شقيقته وصديقة الطفولة نايلة تكبره بسنة واحدة عندما اختطفها المرض «كنت في السابعة من عمري، اذكر أنّ والدتي ووالدي تأثرا كثيرا، لم أكن أعرف ماذا حصل لها ولم اختفت، قيل لي إنها سافرت. ومع الوقت فهمت لوحدي». بضعة أعوام مرّت وغرفة الشقيقة مقفلة والحزن مخيّم على المنزل الواسع في بيت مري، إلى أن ولد مكرم الذي أدخل البسمة من جديد إلى العائلة الصغيرة. الطفولة الشقية التي عاشها جبران ترافقت مع حوادث مرّة ضربت عائلته، بدأت بموت نايلة ولم تنته مع مرض الوالدة الطويل الذي استمرّ بين عامي 1965 ولغاية وفاتها عام 1983، وما لبث أن مات مكرم في حادث سير مروع في باريس عام 1987. مرّ جبران تويني في مراحل خطرة منذ مراهقته: عام 1976 وعندما كان احتياطيا في الجيش اللبناني أطلق عليه فلسطينيون النار عند مغادرته مبنى «النهار» في الحمرا عائدا إلى ثكنته في الأوزاعي، ثمّ اختطفه حزب الكتائب وعاش على حدّ الحروب اللبنانية بين عامي 1979و 1990، وتعرض خلال هذه الأعوام إلى تهديدات وملاحقات جديرة بالأفلام البوليسية: اضطرّ مرّة إلى الهرب من الشباك في مبنى «النهار» في الحمرا عام 1982، وقصف منزله في بيت مري مرات فأصيب مرافقان له. وعام 1990 حاول مسلحون احتلال مبنى «النهار العربي والدّولي» المجلة التي كان يرأس تحريرها في الأشرفية فغادر إلى فرنسا 3 أعوام إثر دخول الجيش السوري، وقبيل مغادرته زاره مسلحون باكرا في منزله في بيت مري ففاجأهم شباب في المنزل، فعادوا أدراجهم متوجهين إلى منزل صديقه رئيس حزب «الوطنيين لأحرار» داني شمعون فقتلوه مع زوجته وولديه، «كان حظي أفضل من داني» يقول بأسى في حديثه الأخير في 4 تشرين الثاني الفائت. روح المبادرة رافقته منذ يفاعه، بادر عام 1975 إلى تجميع شباب وشبابات من سنّه واشترى لهم مكانس وشمّر عن ساعديه وراح يكنس وإياهم شوارع العاصمة كنوع من إيقاظ الحسّ البيئي والوطني في حركة لاعنفية مناقضة للتيار السائد. هذه المبادرات الخلاقة انعكست في مهنته كصحافي، ولا سيما في الملاحق التي أحدثها. لم تتبدّل النبرة العالية في مواقف تويني على رغم أنه أضحى على مشارف نهاية عقده الرابع، لم يكن صغر سنّه وراء كتاباته العنيفة «بل اقتناعاتي الراسخة فيّ هذا هو نمطي» يشدد على القول في حديثه الأخير. وتمكّن جبران تويني صاحب الأسلوب المباشر النّضر من أن ينطق في افتتاحياته بقلب كل لبناني: من العامل إلى الطالب الجامعي إلى السياسي. «نجح في الصحافة لكنّه اختار الطريق الصعبة»، يقول خاله الأصغر الصحافي والإعلامي علي حمادة، شارحا: «بدلا من أن يتّجه مباشرة إلى جريدة «النهار» الأم وينخرط تحت جناح المؤسسة، عمد إلى خوض غمار المهنة بشكل شبه مستقل عبر مجلّة «النهار العربي والدّولي» التي أصدرها من باريس عام 1977، وأدارها صحافيا وأمسكها إداريا وتوصّل عشية إغلاقها بسبب الحوادث، إلى أن تكون المجلّة الأولى لبنانيا. ثمّ حين عاد من منفاه الباريسي عام 1993خاض معركة تحديث «النهار» بقوة وعزم، فنقلها من عصر السبعينات والثمانينات إلى التسعينات والألفين». لعب تويني أدوارا عدة في حقبات مصيرية من تاريخ لبنان، وكان أمينا عاما ل«الجبهة اللبنانية عام 1990، ولكنه لم يقبل خوض الإنتخابات النيابية إلا بعد خروج الجيش السوري من لبنان في 21 نيسان 2005 بعد احتلال استمرّ ثلاثين عاما، خاضت أثناءه «النهار» حربا لا هوادة فيها ضدّه. تحالف في الانتخابات النيابية الأخيرة صيف عام 2005 مع «كتلة المستقبل» التي تسير بخطّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هو الأرثوذكسي ابن الأشرفية، أما هو فيتساءل: «لم لا أؤيد سياسة شريفة قادها الرئيس الشهيد رفيق الحريري. علما بأنني كنت أعارضه في مرحلة سابقة، لكننا التقينا واتفقنا قبيل التمديد». حاول تويني جاهدا تحويل «النهار» مؤسسة مستمرة لا ترتبط بأي شخص: «ستبقى «النهار» جريدة تمثل التنوع، تواكب العصر حاملة رسالة اساسية كمنبر للديموقراطية والحق والحقيقة، أريدها أن تكمل من بعدي، لذا أسعى إلى إرساء مؤسسة وليس جريدة شخص»، هكذا قال في حديثه الأخير وهذا الذي سيحصل.