احتفلت أمس - الجمعة - فرنسا بمرور مائة عام على سن قانون العلمانية على خلفية جدل خطير سيظل مطروحاً برمته في السنوات القادمة ويتعلّق بمكانة الإسلام والمسلمين في المجتمع الفرنسي بشكل خاص وبالعلاقة التي يقيمها النظام الجمهوري الفرنسي عموماً مع الديانات الأخرى غير المسيحية واليهودية ومعتنقيها من أولئك الذين يحملون الجنسية الفرنسية أو يقيمون في فرنسا. والواقع أن هنالك اليوم رأيين متباينين في إطار هذا الجدل لا سيما لدى الأحزاب السياسية يقول أحدهما إنه لا بد من إعادة النظر في قانون الفصل بين الدين والدولة والذي مضى قرن على اعتماده، وذلك لإفساح المجال للمسلمين بأن يكونوا متساوين مع المسيحيين واليهود في ما يخص على الأقل الشؤون الدينية. أما أصحاب الرأي الآخر فهم يعترضون تماماً على الطرح الداعي للفصل بين الدين والدولة. حماس سركوزي وليس الجدل حول هذين الرأيين المتباينين بشأن قانون العلمانية في فرنسا جديداً بل ظل مطروحاً طوال القرن الماضي. ولكن ما يثير الانتباه فيه اليوم هو أن أهم الأحزاب السياسية الفرنسية هي التي تغذّيه وأن أهم الناشطين في هذا الجدل هو نيكولا سركوزي، وهذا الأمر مهم جدا لعدة أسباب منها أنه يحرص حرصاً شديداً على خلافة جاك شيراك رئيس الدولة. أضف إلى ذلك أنه يتزعم حزب الأغلبية الحاكمة ويتولى منصب وزير الداخلية وبالتالي فإن إدارة العلاقة بين الدين والدولة جزء من صلاحياته. ويعتبر نيكولا سركوزي أن الضرورة تدعو اليوم لتعديل قانون العلمانية الذي سُنَّ قبل مائة عام على نحو يسمح للدولة بالإسهام في تمويل المشاريع المتصلة بأمور مسلمي فرنسا الدينية ومنها بناء المساجد والعناية بالمقابر الإسلامية. وصحيح أن قانون العلمانية قد أعفى الدولة مبدئياً من تمويل مشروع بناء الكنائيس والمعابد اليهودية ولكن الواقع أثبت عكس ذلك ومن ثم فإن وزير الداخلية الفرنسي يرى أنه لا ينبغي اقصاء الديانة الإسلامية أو بالأحرى معتنقيها من مثل هذه الخدمات لاعتبارات كثيرة منها أن الديانة الإسلامية أصبحت تحتل المرتبة الثانية في البلاد من حيث عدد أتباعها بعد المسيحية الكاثوليكية. ويذهب سركوزي في الدفاع عن مبدأ مراجعة قانون الفصل بين الدين والدولة أبعد من ذلك فيقول إن تكليف الدولة بتحمّل نفقات المشاريع المتصلة بممارسة الشعائر الدينية الإسلامية من شأنه السماح بإفراز هيئات ومنظمات وأطر إسلامية فرنسية مستقلة. وينطلق وزير الداخلية من هذه الفكرة لكونه مقتنعاً أن قانون العلمانية بصيغته الحالية سيقود حتماً إلى إحكام العزلة حول الإسلام والمسلمين. ونشير في هذا الصدد إلى أن نيكولا سركوزي قد عمد قبل أشهر إلى تشكيل لجنة من رجال القانون والفلاسفة والمربين والمتخصصين في شؤون الدين لإعداد تقرير حول الموضوع ودراسة سُبل تفعيل قانون العلمانية بشكل لا يلحق ضرراً بالإسلام والمسلمين. ويدرك سركوزي أن المعترضين على مشروعه داخل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي يتزعمه ينتمون أساساً إلى الموالين لجاك شيراك ولخصومه في الحزب ممن يعترضون على سركوزي كمرشح للانتخابات الرئاسية القادمة. ولكن سركوزي يدرك أيضاً في نفس الوقت أن أطرافاً أخرى في أحزاب أخرى منها الحزب الاشتراكي تشاطره آراءه بخصوص ضرورة تعديل قانون العلمانية. المكانة التي يستحقها الإسلام وثمة اليوم في إطار الجدل حول ضرورة مراجعة هذا القانون أو عدم مراجعته رأي تُشاطره بشكل خاص المنظمات التي تعنى بحقوق المهاجرين والإنسان ويقول أصحابه إن مراجعة القانون على الطريقة التي يرغب فيها وزير الداخلية لا تكفي لمنح المسلمين في فرنسا المكانة التي يستحقون ويضربون على ذلك مثل عدة بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي ليست لديها قوانين تفصل بين الدين والدولة ولكنها حرصت منذ سنوات على الاعتراف للمسلمين ولا سيما المهاجرين المسلمين المقيمين فيها بحقوق لا يتمتع بها المسلمون المهاجرون والمقيمون في فرنسا ومنها حق المشاركة في الانتخابات المحلية وحق التلاميذ المسلمين في ارتداء الزي الإسلامي أو ما يسمى كذلك.