إذا كان حقيقة كما يجادل الرئيس بوش وكما جادل آخرون كثيرون غيره بان نتائج وخيمة ستحدث إذا انسحبت القوات الأمريكية من العراق في المستقبل القريب فكيف يتأتى لنا أن نفكر في إجراء سحب كبير لهذه القوات قبل حلول انتخابات الكونغرس في الخريف القادم؟. ويتحدث معارضون للانسحاب السريع لهذه القوات عن عواقب محتملة تصل إلى اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق وتحول العراق إلى مأوى آمن والى معسكر تدريب لإرهابيين مناهضين للولايات المتحدة وتورط دول جوار في النزاع وتوسيعه مما يمكن أن يؤدي إلى عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط بأسرها. فقد ابلغ نائب الرئيس ديك تشيني قوات أمريكية في فورت درم في نيويورك يوم الثلاثاء الماضي انه في حالة حدوث انسحاب سريع للقوات الأمريكية من العراق فان العراق سيعود إلى عهد الحكام المتسلطين وسيصبح مصدرا لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بل وسيكون منصة انطلاق لاعتداءات اخطر ضد أمريكا وضد دول متحضرة أخرى. وابلغ السناتور جون ماكين- والذي حدد الانتصار الكامل في العراق بإقامة ديمقراطية معيبة ولكنها عاملة- مراسل شبكة ان. بي. سي. التلفازية تيم رو سيرت بان إنجاز حتى مجرد هدف متواضع في العراق لن يكون بالأمر السهل وسيحتاج إلى وقت طويل. وإذا كان أولئك المتشددون أو كما يطلق عليهم الصقور صائبين فيما يقولونه وإذا كان حقيقة بأنه لا يزال بالامكان كسب هذه الحرب فانه يكون لزاما على إدارة بوش ان تكون صادقة مع الشعب الأمريكي وتوضح له بجلاء ما يتطلبه هذا الأمر من خسائر بشرية وتكاليف مالية وتضحيات أخرى وكذلك قول الحقيقة عن الحالة الرثة لقوات الأمن العراقية غير المؤهلة. وكما يحدث الآن فان الولاياتالمتحدة غير قادرة على هزيمة عناصر التمرد المسلح بالقوات التي لديها في العراق وعليه فانه سيكون من قبيل الوهم التفكير بان العراق يمكن ان يكون مستقرا وهادئا خلال سنة أو سنة ونصف أو سنتين تحت جيش عراقي يفتقر للسلاح وقوات شرطة لا حيلة لها مخترقة من قبل عناصر مليشيات وحشية وحزبية. هذا بالإضافة إلى ان القوات الأمريكية ستجد نفسها في خطر التصدع تحت وطأة توتر هذه المحنة العراقية التي لانهاية لها حيث يتم إرسال قوات إلى ميادين القتال لفترات ثالثة ورابعة وهذا إجحاف وظلم شنيع وانه كلما ترنحت في القتال كلما اشتد عود عدوك. وحتى في أدنى المقاييس فان الجيش الأمريكي لم يتمكن من الإيفاء بأهداف التجنيد كما ان الحرس الوطني وقوات الاحتياطي تعاني من الإجهاد بسبب جهود الحرب وعليه فان العجز في عدد القوات وتدني التأييد الشعبي للحرب فضلا عن قلق الجمهوريين بشأن انتخابات العام القادم فإنها تؤكد جميعا على انه سيكون هنالك بعض الخفض للقوات في العراق خلال الثمانية اشهر أو الاثني عشر شهرا القادمة وبالرغم من ذلك فان الصقور لا يزالون يقولون بأنه يتعين علينا مواصلة الحرب، ولكن حسنا سيتم خوض هذه الحرب بعين واحدة عليها والأخرى على السجل السياسي الممهور بقتل الكثير من الناس من اجل لاشيء. وإذا كانت هذه الحرب تستحق القتال فإنها تستحق ان يكون ذلك بطريقة صحيحة وهذا يعني بان يكون الحشد لها ليس فقط لحفنة من الجنود الذين تحملوا عبء هذا النزاع وانما يتعين ان يكون حشدا للامة بأسرها وان يتم زيادة الضرائب وزيادة وتوسيع القوات المسلحة وتعزيز القوات العاملة في العراق بالاضافة إلى تطوير استراتيجية مناوئة للتمرد المسلح يكون لها بعض الحظ في إلحاق الهزيمة بالعدو. وإذا كانت هذه الحرب مهمة كما يصر الصقور على القول فانه ينبغي علينا جميعا مشاطرة وتحمل عبئها ولكن إذا كان معظم الأمريكيين غير راغبين في إرسال أبنائهم للقتال في العراق فان ذلك يعني بالضرورة بان معظم الأمريكيين لا يشعرون بان كسب هذه الحرب شيء مهم وحيوي للغاية. والحقيقة تكمن في انه لا يوجد من يعرف على وجه التأكيد ماذا سيحدث إذا سحبنا قواتنا من العراق وان الكثيرين الذين يعتقدون بان السماء ستسقط كانوا يصرون قبل ثلاث سنوات بان العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وان القوات الأمريكية الغازية ستحظى بالترحيب لتحرير العراقيين. ولقد أيد الرأي العام في بادئ الأمر هذه الحرب لان الإدارة الأمريكية كانت فاعلة للغاية في الترويج لإشاعة صلة العراق باعتداءات الحادي عشر من سبتمبر الكاذبة. ويجب ان يتحمل الصقور الآن مرة أخرى عبء المقدرة على الإقناع ويتعين عليهم ان يقنعوا الرأي العام بأنه ينبغي على الولاياتالمتحدة خوض هذه الحرب إلى ما لانهاية مما سيمدنا بالشجاعة في مثل هذه الورطة الشنيعة ولتحمل مثل هذه الخسائر البشرية الكبيرة. أما إذا كان الأمر لا يستحق القتال فانه يجب علينا إعداد انسحاب منظم من العراق الآن. ٭ نيويورك تايمز