لكل اقتصاد حالة ونموذج، وليس على الدول تنفيذ كل توصيات منظمات دولية لديها قالب واحد عند تناول تعبئة إيرادات دولة ما، فنحن نتحدث عن استثمار موارد ونظام ضريبي، الأول نموذج أساسي والثاني نسبي، لكنه يفترض أساسياً أن الدولة وصلت لمرحلة تشغيل كامل ومستدام لمواردها وتبحث عن مصدر آخر وهو عادة الضرائب، ومن يستبق فرضها قبل توظيف موارده بشكل كامل، فهو يبحث عن عمل قصير الأجل وسهل التنفيذ دون اعتبار للأثر الاقتصادي له. لن أتناول هنا موارد تقليدية تتطلب انفاقا ماليا لتضخ إيرادات لاحقاً كطاقة وتعدين ولا عن مجالات التخصيص بأشكالها، ولا عن مورد الأوقاف ومنتجاته الهائلة، ولا عن أداة إيراد تمس دخل المواطن، فسبق وطرحت البعض أو أخذ كل منهما تشكيل مساره الصحيح مؤخراً. ما سأطرحه هنا هو ثروة مركونة ومعطلة بطريقة إدارتها الإستراتيجية والتنفيذية الحالية، هذا أن وجدت ممارسة استراتيجية لها، وهو منتج استثمار أملاك وحقوق أجهزة الدولة سواء العينية منها كالعقار، أو غير العينية كحقوق ممارسة استثمار الأنشطة المرتبطة بها وهي متعددة ولكل قطاع لديه نموذج عمل لها، هذا المورد هو ببساطة موجزة يعمل بضعف شديد اختفت معه كل معالم التخطيط والإدارة من "رؤية وأهداف ومهارة وحافز ومصادر وأدوات" بحيث يمكننا قياس أدائه الآن، لكني سآخذ مؤشر استثمارات البلديات كعينة والمقدرة حالياً ب 5 مليارات ريال والمخطط رفعها وبالقدرات والوضع الحالي إلى أكثر من 9 مليارات ريال بحلول 2020 . مورد أملاك الدولة وحقوق ممارسة بعض أنشطته بوضعه الحالي أراه لا يعمل سوى بنسبة 10% من طاقته الممكنة، هذا النوع من الموارد لوحدها تضع له معظم الدول أولوية وتعتمد عليه كثيراً، ومفترض أن يشكّل لدينا بالمملكة ما لا يقل عن 2 % من الناتج المحلي الإجمالي. إلى جانب الضرائب بأنواعها والرسوم المخصصة، يعد هذا النوع من الموارد المصدر الثاني لتعبئة إيرادات الدول التي تبحث عن تنوع الدخل والإنفاق على مشروعات تنموية ونمو مستدام، خصوصاً ونحن نبذل الجهود والأموال لمنظمات وجهات استشارية دولية ثم تقدم لنا أحد قوالبها لإعادة تشكيل استغلال الموارد للبعد عن هيمنة النفط الناضب والمتقلب دون قيامها بالحصر والعمل على تحليل القوة والضعف، الفرص والتهديدات، داخلية وخارجية بزي وطني. عدة موارد بعدة جهات حكومية لا يتسع ولا هدف المقال حصرها، والباحث المختص لو أراد كتابة تقرير عنها، لا يجد بيانات وإحصاءات أو تقارير يستطيع معها الوقوف بدقة على حجمها ونوعها ومناطقها مما يعكس ويؤكد ضعف الاهتمام بها، لكن يمكنني إيجاز ضعفها الحالي بثلاثة أشكال: تدار بطريقة تقليدية وبدون رؤية وإستراتيجية وهدف، وبدون تخصص نوعي ومركزي منظم لها، فتجدها مجرد إدارة استثمار مركونة بزاوية الوزارة أو الجهة، وباجتماع واحد يتم أخذ قرار استثماري لمنتج مرتبط بها ليتم طرحه بمناقصة تشترط بطاقة أحوال وسجلا تجاريا فقط! بدون خرائط مدروسة لفرص استثمارية موجهة "لمشاركة القطاع الخاص" تأخذ بالاعتبار الجدوى وتعظيم العوائد، التسعير الأمثل، المزايا النسبية لكل نوع منتج وكل منطقة، تكامل سلسلة الاستثمار الأفقية والرأسية، دعم مشروعات صغيرة ومتوسطة، توطين تقنية وتوظيف، إحلال وارد، وقائمة الأهداف هذه محددة بخطط التنمية. منتج استثمار بقالب نموذج عمل واحد، إيجار أو رسوم، بعوائد ضئيلة جداً لا يتم طرح خيارات منتجات استثمار أخرى مثل المشاركة للنوعي منها، اسميها ب "تكلفة الفرصة البديلة " والمتاحة التي تمكّنها من المساهمة بتحقيق عدة أهداف تنموية مستدامة. على سهولة إبراز هذا الموضوع في سطور قليلة، بسهولة تنظيم إدارة استثمار هذه الموارد بشكل مهني وبعيد المدى، وهنا واختصاراً أرشح صندوق الاستثمارات العامة أن يبادر لها ويستحوذ على وحدات وإدارات الاستثمار الضعيفة بجميع الأجهزة والجهات الحكومية، ويشكّل وحدة بالصندوق مختصة لمعالجة وإدارة الأشكال الثلاثة التي ذكرتها أعلاه وعلى شكل إستراتيجية وطنية متكاملة المنظومة ولتفعيل دوره وتخصصه بالاستثمار الإستراتيجي للدولة.