رأيُتها على إحدى الشاشات التلفزيونية، في محطة أج..ربية، تبتسم.. وقد ازدهت وصارت سيرتها على الألسنة مذ نفدت طبعة روايتها (القنبلة) من السوق في زمن قياسي.. رأيتها.. ورأيت تلك العشرة بين (الشهرة) و(المعرفة).. ف قد لا تقتضي المعرفة، الشهرة!! كثيرون يتمنون أن يُصيبوا من الشهرة نصيباً، فيسلكون الطرق التي يعتقدون أنها تؤدي إلى (روما) وإذا بهم في (سيريلنكا)!! وتبقى لقضية (بنات الرياض) عوامل كثيرة أدَّتْ لأن نعرف الكاتبة رجاء الصانع تلك المعرفة التي قد يعتقد البعض أنها ما يساوي الشهرة!! والأمر في كل أحواله لا يعدو سبقاً جريئاً لكاتبة أنثى تُعرِّي جزءاً من الواقع، لا الواقع كله، وتصدره بعنوان عام ملفت كي تُسوِّق لروايتها.. فإن كانت الرواية في أصلها ذلك الواقع المكتوب والمرصود، فلماذا لا يأتي بكله كما هو في الواقع!! ولماذا يقف المجهر على بقعة العفن في الرغيف، ولا يصوِّرُ الرغيف كله!! ولأننا أمة لم يصبها هوَسُ القراءة بعد، كان لا بدَّ للكاتب منا أن يبحث عن مُسوِّق بارع ليضمن لكتابه النجاح.. ولأننا أمة نعتقد بأن نفاد كُتُبنا من المكتبات هو نجاحنا، نبتسم في وجه المشاهد على محطة أجربية!! ولأننا أمة ننتقد ونطرح ونُبرزُ كل ما قد يُعَدُّ مشكلة في واقعنا الاجتماعي، غدت الرواية حقلاً حافلاً بنا، ولم تصبح بعد أمة تحكم مشكلاتها، أو تجد لها حلولاً.. أو أنصاف حلول!! اخالُ أن الأمر يتعلق بتفكيرنا الذي هو مشكلتنا وحدنا.. وعلى الكاتب والروائي أن يحمل قضية يؤمن بها ويسعى لها حين يكتب وحين يقرأ وحين يفكّرُ بأن يوقِّعَ على ظهر كتاب ما كلمة واحدة تساوي (نعم)!! إن أهم وأشهر الروايات العالمية كانت تحمل قضية الكاتب والأمة الذي هو جزء منها، وكانت (قنبلة) أيضاً ولكن من نوع آخر، ضجَّتْ له الصحف وهزَّتْ الناس.. وجاءت لتقول شيئاً كاملاً، وليس مُقتَطَعاً ورديئاً!! ف (مئة عام من العزلة) ل غابريل غارسيا ماركيز المولود عام 1928م، أنموذج حي لروائي ينتمي لقرية لا موقع لها على الخارطة أبداً، جعل لقريته تلك شأناً عظيماً، لأن حمل قضيتها على أكتافه سبعة عشر عاماً يكتبها، يقول عنها الدكتور فوزي معروف في كتابه (هكذا يصنعون أنفسهم): «هي رواية تسرد حكاية قرية (ماكوندو) استوحاها الكاتب من قرية (آركاتكا) مسقط رأسه، فعل ذلك كي يحرر القرية من وضعها الخاص كنقطة على الخريطة لتصبح حالة إنسانية فهي إذن صورة للعالم أو معادل أو رمزٌ لتاريخ البشرية كما يقول النقاد.. كان لماركيز من قوة التأثير، حيث يعود كل قارئ لروايته هذه إلى مشاهد طفولته، ويشعر أنه يعرف شخصياتها بحيث يمكن لكل واحد أن يقول «إن قريتنا أيضاً تشبه قرية ماركيز المتخيلة التي فشلت في الاحتفاظ بماضيها، كما فشلت في مواجهة الحاضر وخرجت من الزمن بالموت والجنون والدمار»، لأن الأجانب لم يكونوا وحدهم أعداء (ماكوندو) بل كان لها من نفسها أعداء آخرون.. لقد صارت قرية (ماكوندو) قرية كل المعذبين في الأرض إذ حمل ماركيز قريته إلى العالم وما أجمل أن نرى مبدعاً عربياً يجعل من قريته قرية عالمية خلال عمل إبداعي».. وحينما سُئل ماركيز كيف تكتُب؟! أجاب: «إن انتشار الأدب الرخيص يعرقل المسيرة نحو الاشتراكية.. وإن إسهامنا في دفع عجلة تقدم بلادنا يكون ليس بكتابة روايات حسنة الشكل فحسب، بل إذا كتبنا روايات ذات مضمون وأعتقد أن واجب الكاتب الثوري أن يكتب جيداً فذلك هو التزامه.. إن دور الأدب في التغيير محدود ولكنه يعرف أن يترك أثراً في أقل الناس تفاعلاً مع الحياة.. ولذلك فإن الخيال المبدع والكتابة الفنية، يسلحان الناس بالأمل والقدرة على التهكم والإدانة».. وأقول: إن كان ماركيز قد عَرَفَ قضيته، وعرف طريقة الوصول إلى قارئه بدون تسلق، أو سواه، مما جعله كاتباً عالمياً مشهوراً بعد أن كان شاباً فقيراً يجمع الزجاجات الفارغة ويبيعها ليعيش، فأي شيء يمكن أن نتكهنه في مثل رجاء الصانع وروايتها عن القضية التي جاءت تحملها، والتي سُوِّق لها!! مع التنويه على أن القضايا التي قد نحملها فيما نكتب، هي تلك التي لا نحتاج لأن نفسرها في غير ما كتبنا أو نُعلِّلَ لها، هذا إن كنا نحمل قضية ذات قيمة!