بادرت اللجنة العليا لأنظمة المعلومات الجغرافيةِ في المنطقة الشرقية قبل ثلاثة أسابيع بتنظيم الملتقى الوطني الأول لنظم المعلومات الجغرافية بالمملكة العربية السعودية. والمتتبع للمؤتمر وكثافة الحضور من قطاعات ومدن مختلفة في مملكتنا الحبيبة يلاحظ تعطش أبناء هذا البلد المعطاء إلى وجود القاعدة الوطنية لنظم المعلومات الجغرافية. وقريبا سوف يعقد مؤتمر مستخدمي برامج شركة نظم المعلومات الجغرافية ESRI للشرق الأوسط وأفريقيا في شرم الشيخ بمصر الشقيقة. وحري بنا أن نقف بين المؤتمَرَين وننظر إلى ما تم تحقيقه وما نصبو إليه على المستوى الوطني. ولا يخفى على الكثير من المهتمين بالعمران والتنمية الحضرية أهمية نظم المعلومات الجغرافية في دراسة وإدارة المناطق الحضرية. فأصبحت هذه التقنية عصب التمثيل الافتراضي للمناطق الحضرية وأداة تحليل الحاضر لاستقراء مؤشرات المستقبل . ولم تقف هذه التقنية التي تربط المعلومات المكانية بالإحصاءات الكمية عند حدود إدارة المدن والتطبيقات التخطيطية على مستوى الأقاليم والدول، بل تخطت تلك الحدود لتصل إلى الحاجات البسيطة للمواطن والزائر لمواقع تلك المدن على شبكة الانترنت. فأصبحت نظم المعلومات الجغرافية أدلة افتراضية لتلك المدن، تمكن المستخدم من البحث عن مواقع مثل الفنادق والجامعات أو الصيدليات أو حتى أقرب صراف اليكتروني. بهذا التطور الهائل لتقنية نظم المعلومات الجغرافية استطاعت دول عدة من تمثيل خرائط مدنها بأدق التفاصيل المكانية. بالإضافة إلى إثراء تلك الخرائط بمعلومات وصفية وإحصائية تمكن المستخدم من الحصول على معلومات حديثة بطرق ميسرة وغير مكلفة. وفي وسط الثروة المعلوماتية في التمثيل المكاني للمدن ظهرت محاولات جيدة مثل موقع خرائط الرياض وخرائط مصر و نظم المعلومات الجغرافية في قطر على شبكة الانترنت. وفي هذه الفترة من الانتعاش الاقتصادي و تطور تقدم تقنية المعلومات بالإضافة إلى انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، تضاعفت أهمية تواجد المعلومات المكانية والإحصائية لصناع القرار في القطاع الحكومي والخاص والباحثين والمستثمرين على حد سواء. ولتجلّي تلك الأهمية نجد أن قطاعات حكومية وشركات خاصة أخذت بزمام المبادرة للاستفادة من هذه التقنية واستحداث نظم معلومات جغرافية خاصة بها. وبقيت المعلومات حبيسة حدود تلك القطاعات وأصبح كل قطاع يعمل بمعزل عن الآخر. ولم تستفد هذه القطاعات من الاشتراك معاَ في خرائط الأساس أو قواعد البيانات.وكأننا نجد أن نظم المعلومات الجغرافية قد زاد من تباعد القطاعات بدل من أن ترفع من درجة تكاملها. ولو أمعنا النظر في الواقع المتغير للمعلومات المكانية والمعلومات الوصفية نجد أن كل قطاع تقوقع وانعزل عن متغيرات التنمية العمرانية حكم على نفسه بانتهاء صلاحية خرائطه ومعلوماته التي عمل على إنشائها قبل أن يبدأ باستعمالها. ومن أهمية التحديث المستمر تظهر ضرورة تكامل أنظمة المعلومات الجغرافية بين القطاعات المختلفة سواء كانت حكومية أو خاصة. وأهمية العمل على خرائط أساس ذات مراجع مشتركة وعلى معايير وضوابط موحدة لضمان تجانس المدخلات من مختلف القطاعات والتي سوف تمكّن من ضمان دقة المخرجات الممثلة على شكل خرائط أو معلومات وصفية أو إحصائية. وبالحديث عن التكامل والتجانس بين القطاعات الأساسية المستفيدة أو المؤثرة في نظم المعلومات الجغرافية على مستوى الوطن ننظر إلى اللجنة المسئولة عن الشبكة الوطنية لنظم المعلومات الجغرافية والأمل يحدونا بأن نرى نظم معلومات جغرافية متكاملة وتفاعلية وفي متناول الجميع. كما نتمنى أن تنجز جميع إنجازات مشاريع القطاع الحكومي والخاص بأيدٍ وعقول وطنية كلبنة أساسية لتوطين التقنية. وحري بهذه اللجنة العمل على توجيه المؤسسات التعليمية على مستوى التعليم العالي والفني بالقطاع الحكومي والخاص على تقديم برامج متخصصة لتأهيل السعوديين للمشاركة الفاعلة في بناء وتحديث شبكة المعلومات الجغرافية الوطنية. ونظرا لطبيعة العمل المعتمد على تقنية المعلومات نجد أن هذه التقنية توفر فرص عمل مناسبة لطبيعة وخصوصية المرأة السعودية. بالإضافة إلى فرص العمل المتوقع إيجادها للفنيين والمتخصصين من الرجال. وبذلك تتضافر الجهود في هذا الوطن المعطاء بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لإنشاء شبكة حديثة لأنظمة المعلومات الجغرافية بأيدٍ وطنية ماهرة.