العاشرة والنصف مساء، 25 يونيو 1996، جنوب مدينة الخبر، صهريج ينفجر، ومجمع سكني ينهار جزئياً، وأربعة فروا بسيارتين، فكان 19 أميركياً قتيلاً و372 من جنسيات متعددة في خانة الإصابات. ... وماذا بعد؟ القبض على مجموعة من أبناء المنطقة الشرقية، وتسلم 2 من رفاقهم من الخارج، هما مصطفى القصاب (قبض عليه عند ماكينة صرف آلي في الضاحية الجنوبيةلبيروت) وهاني الصايغ (سلمته أمريكا)، وبدأت التحقيقات. .. وماذا أيضاً؟ استمرت التحقيقات إلى أن توقفت، ومضى 3450 يوماً في انتظار النتيجة والإعلان. كانت التحقيقات سعودية صرفة، مما أثار حفيظة الأميركيين، وحاولوا التدخل والمشاركة، ولكن لم يطلب منهم سوى المساعدة في رفع الأدلة الجنائية من مسرح الحادث. ولحقهم في الاطلاع على نتائج التحقيق، في كون مواطنيهم استهدفوا؛ فلم تبخل المملكة بذلك، وزودتهم بالنتائج وهوية المقبوض عليهم، وأسماء المتورطين الفارين خارج البلاد. وحسب القانون الأميركي، فإن السلطات القضائية تجبر المؤسسة الأمنية على تقديم لائحة الادعاء على أي قضية قبل مضي خمس سنوات، فكان هذا ما فعله لويس فريه مدير مكتب التحقيقات المركزي (FPI)، قبل أن يخلي مقعده لخلفه. واللائحة كانت مبنية على تحقيقات الجهاز الأمني في المملكة، ومتضمنة سرداً تفصيلياً للعملية منذ المسمار الأول، مروراً بالدول التي التقى فيها المخططون والمنفذون. وفي تفاصيل التحقيق اعتراف أدلى به المقبوض عليهم، فدلوا على مجموعة أخرى مازالت مطاردة، بينهم لبناني مرتبط بحزب الله، ولا يعلم عن مصيره أو هويته الرسمية سوى من اسم مستعار وبعض الملامح الشكلية، وهناك السعوديون عبدالكريم الناصر وأحمد المغسل وإبراهيم اليعقوب وعلي الحوري، فكانت لائحة اتهام موجهة إلى 13 سعودياً ولبناني واحد مجهول. بعد فترة قصيرة، وتحديداً في 19 أغسطس 1996، قبضت السلطات السورية على المواطن السعودي جعفر الشويخات - من مدينة سيهات - لكنه مات في السجن بعد يوم، وقال السوريون إنه انتحر بصابونة غسيل في دورة المياه (!) فدفن في دمشق. انتهاء الشويخات دون التحقيق في ظروف الاغتيال، دفع مزيداً إلى الشك حول دوره، وقد يكون بإنهائه أن ضاعت أسرار عدة تقود إلى الرأس الكبير في العملية. وقد لا يعلم العامة عن نجاح أمني لم يعلن وقتها تمثل في ملاحقة تنظيم مسلح كان متواجداً في المنطقة الشرقية ويدعى «حزب الله الحجاز»، وأحياناً يعرف خارجياً ب«حزب الله السعودي». كانت بداية التنظيم فكرية دعوية، لا ترتبط بالسلاح، ورؤوسه معروفة لدى بعض سكان المنطقة فترة الثمانينيات، رغم أنهم كانوا ينكرون وجودية تنظيمهم، وشيئاً فشيئاً ظهر له جناح عسكري، ليبدأ في التخطيط لعملياته بعد حرب تحرير الكويت؛ بغية «إخراج القوات الأميركية من جزيرة العرب». كان عبدالكريم حسين الناصر رأس التنظيم، ومن بعده أحمد المغسل قائداً للجناح العسكري، وكنيته «أبو عمران»، ومجموعة أخرى تشكل البناء الكامل للتنظيم، وقد بدأ نشاطه لعام ونصف العام بجمع المعلومات عن الأهداف المناسبة لضربها، وتنقل كوادره من المنطقة الشرقية إلى الرياض وصولاً إلى جازان، حتى استقر الهدف على أبراج الخبر، ليبدأ العمل على إعداد العملية - وقتها كان عام 1994 يودع أيامه -. التحقيقات قالت إن العملية تطلبت تحرك عناصر التخطيط والتنفيذ في أكثر من دولة؛ اجتمعوا في بيروت والقطيف والسيدة زينب في دمشق، كانوا على مدار تلك الفترة يجمعون موادهم، ويخزنونها في مزرعة على طريق الجبيل - الدمام، وقبل الحادث بثلاثة أشهر (28 مارس)، سقط أحدهم (فاضل العلوي) محاولاً تهريب متفجرات في سيارة قادها من لبنان، ليكتشف في منفذ الحديثة الحدودي، فعثر على 38 كلجم من المواد المتفجرة، واعترف بأن المغسل سلمها له في بيروت، وزود سلطات التحقيق بأسماء علي المرهون ومصطفى المعلم وصالح رمضان، وجميعهم من قرية الجارودية، ليقبض عليهم في 3 أيام، كانت في السادس والسابع والثامن من شهر إبريل، وكان موكلاً لهذا الثلاثي استقبال المواد لتنفيذ العملية. اكتشاف مخطط الخلية، دفع المغسل إلى تكليف خلية أخرى، فعاد إلى السعودية بوثيقة مزورة، فأسند المهمة إلى 3 آخرين، بينهم هاني الصايغ، لتنفيذ العملية، إضافة إلى مشاركته معهم، حتى تم التفجير بواسطة الشاحنة، التي قادها المغسل نفسه وأوقفها إلى جوار البرج، ليفر ثلاثة من الأربعة إلى خارج البلاد، حتى قبض على الصايغ وأعيد إلى بلاده، إضافة إلى القبض على الرابع، الذي اعتقد أنه في مأمن حين اختار البقاء في منزله. غاب الناصر والمغسل واليعقوب والحوري، ولا أحد يعلم عن مكان وجودهم سوى الأنباء المتواترة عن اختبائهم في إيران، وانتهى التنظيم بالقبض على عشرات المرتبطين به وثبوت تراجعهم، فكان إخلاء سبيل غير المتورطين بالحادث. ورغم الحقائق، وموت الشويخات الغريب، واختباء الرباعي في إيران - ربما، إلا أنه مازالت هناك أصوات تدعو إلى العفو عن المسجونين، متجاهلة أنهم في مكانة متساوية مع منفذي الاعتداءات الأخيرة من عناصر «القاعدة»، ويبدو أنه قد غاب عنهم أن الدماء ليست رخيصة، وأن مس أمن البلاد ليس نزهة.