اعترف القطاع الخاص أنه شريك رئيسي في تفشي ظاهرة الرشوة داخل المملكة حسبما جاء في دراسة طرحت على هامش منتدى الرياض الاقتصادي الثاني الذي افتتح البارحة بالرياض. وأفاد نحو 80 في المائة من المستثمرين - بحسب الدراسة - أن تكلفتهم التشغيلية قد ارتفعت عنها منذ خمس سنوات بسبب ارتفاع معدلات الجريمة والسرقة وزيادة تكلفة الحراسة والأمن لممتلكاتهم وأصولهم، إضافة إلى أن 61 في المائة منهم يعتقدون أن السلطات الأمنية لا تحميهم بالقدر الكافي. واقترحت الدراسة التي قدمها سليمان المنديل، إسناد تخصيص الشركات إلى كيان مؤسسي مستقل ومتفرغ ويرتبط بأعلى سلطة تنفيذية بالدولة كما حدث في تجربة ماليزيا، مؤكدة انعكاس ذلك على الإسراع بمعدلات التخصيص، إضافة إلى التوسع في برامج عقود الشراكة بين القطاع الخاص والعام من خلال وضع إطار تنظيمي يناسب طبيعة كل نشاط لضمان حقوق الأطراف المتعاقدة، مع الحرص على توفير الشفافية الكاملة في عمليات الخصخصة أمام القطاع الخاص مع تفعيل الأنظمة المتعلقة بتعزيز المنافسة ومنع الاحتكار وحماية المستهلك. وأوصت الدراسة التي جاءت تحت عنوان «تطوير العلاقة بين القطاع الحكومي والخاص في المملكة»، بضرورة سرعة تنفيذ الاتفاقات المبرمة مع الهيئة العامة للاستثمار والأجهزة الحكومية المختلفة، والخاصة بتذليل عوائق الاستثمار التي عرضت في المنتدى الأول وأكدتها نتائج الدراسة الحالية مع ضرورة وضع برنامج زمني محدد للانتهاء من هذه المعوقات والتغلب عليها، وأنه على الرغم من وجود حاجة ملحة لمراجعة العديد من النظم والتشريعات الحكومية، إلا أنه يجب إعطاء أولوية لمراجعة النظم واللوائح المتعلقة بالعمالة، وإجراءات التقاضي وتنفيذ الأحكام، ونظم الدخول للنشاط ولوائح وتأسيس الكيان القانوني، إضافة إلى تعزيز سياسة اللامركزية الإدارية وتعميقها بالأجهزة الحكومية الرئيسة وتفويض الصلاحيات لمديري الفروع التابعة لها والتوسع في أسلوب المحاسبة للإدارة بالأهداف والنتائج المتحققة، والعمل على التوسع في إنشاء مراكز خدمة شاملة تقدم الحلول لسيدات الأعمال في مكان واحد، إضافة إلى مقترح برفع نسبة تمثيل القطاع الخاص في المجالس ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي إلى 50 في المائة كحد أدنى وتعيين رجال الأعمال من ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة في المناصب القيادية الحكومية، وتدريب المسئولين الحكوميين في منشآت القطاع الخاص، وتشكيل لجنة عليا للتخطيط الاقتصادي تنبثق من وزارة الاقتصاد والتخطيط. وحول مستوى أداء القطاع الخاص اقترحت الدراسة قيام الغرف التجارية الصناعية بتوعية منتسبيها بأهمية المساهمة في بحوث التطوير وضرورتها لتحسين أداء منشآتهم وقدراتهم التنافسية من خلال مناقشة مشاكل الصناعة الواحدة، وتمويل الأبحاث التطويرية بأسلوب تعاوني من أجل خفض التكلفة، والحرص على برامج التوعية بفائدة التكتل والاندماج وفصل الملكية عن الإدارة عبر تحول الشركات الفردية إلى مساهمة، مع الاهتمام بتكوين قيادات جديدة تتبنى مسايرة المستجدات وتطوير الأداء. وأكدت الدراسة على الحاجة لتقليص دور القطاع الحكومي ومساهمته في الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية إلى أقل حد ممكن، وتوسيع نظيره للقطاع الخاص لأقصى حد ممكن وفق استراتيجيات وسياسات وخطط جديدة تتبنى تأمين المسيرة التنموية. وذكرت الدراسة إن العلاقة بين القطاعين العام والخاص تتسم بأنها علاقة شراكة تنموية مستديمة، ولها طبيعة تكاملية وإحلالية في الوقت نفسه، كما أن هذه العلاقة تنطوي على مجالات متنوعة منها التنظيمية، والتشريعية، والمؤسسية، والإدارية، والإجرائية، والتنفيذية، والرقابية، والاتصالية والتمويلية، والائتمانية، والاستشارية للموارد الاقتصادية، والخدمية بأنواعها، ويتوقف حجم الدور الذي يلعبه كل قطاع في العملية التنموية وطبيعة أهميته على طبيعة النظام الاقتصادي السائد بالدولة وهيكل اقتصادها الوطني ومرحلة تطوره. وبينت إنه في ضوء تقليص أو رفع الدعم الحكومي والحماية الجمركية لأدنى حد ممكن، وتقليص دور الدولة في إدارة المشروعات والأنشطة الإنتاجية والخدمية، وتنامي استثمارات القطاع الخاص في السنوات الأخيرة للتعويض عن التناقص في الاستثمارات الحكومية، وتوافر سيولة كبيرة لدى القطاع الخاص، وتبني الدولة لإستراتيجية التخصيص وانضمامها لمنظمة التجارة العالمية، فإن العملية التنموية أصبحت الآن تسير في ظل ظروف وأوضاع اقتصادية مختلفة عن ما هو سائد في الماضي، وأن هناك حاجة ماسة وسريعة لتعديل مسار الأدوار وتطوير العلاقة المستقبلية على أسس جديدة. وأوضحت الدراسة إن التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد السعودي خلال الفترة المقبلة يتمثل في قدرته على التكيف والتطور مع متطلبات الاقتصاد العالمي ومتغيراته، وإيجاد موقع على خارطة المنافسة العالمية، ما يتطلب إصلاح بيئة الاستثمار المحلي وتطوير الأدوار والعلاقة بين القطاع الحكومي والخاص من خلال إستراتيجيات جديدة. واستهدفت الدراسة تحليل مسيرة تطور هذه العلاقة، والمساهمات والأدوار المنوطة بالقطاع الحكومي والخاص في المملكة في الفترة الماضية، وتحديد المشاكل والمعوقات التي تعترض تفعيل هذه العلاقة في المستقبل وتشخيصها بغية بلورة العوامل المسئولة عن تحقيق انسيابية العلاقة وتكامل الأدوار وتدرج الإحلال بينهما بطريقة لا تؤدي إلى حدوث هزات مفاجئة، واقتراح المداخل والمحاور والأولويات اللازمة لتحسين هذه العلاقة وتطويرها والارتقاء بها لتتمشى مع الظروف والمستجدات المحلية والدولية بالمستقبل القريب ولخدمة أهداف التنمية المستدامة بالمملكة، والمحافظة على المنجزات التي سبق تحقيقها. واتضح من الدراسة أن أهم المشاكل التي تعترض تنمية العلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص وتطويرها تقع تحت أربعة محاور رئيسية تتمثل في الأمن والقضاء والنظم والتشريعات الحكومية، والعلاقات الاتصالية بين موظفي الأجهزة الحكومية والعاملين بالقطاع الخاص، وقضية التخصيص، وأداء القطاع الخاص نفسه، حيث أفاد 80 في المائة من المستثمرين أن تكلفتهم التشغيلية قد ارتفعت عنها منذ خمس سنوات بسبب ارتفاع معدلات الجريمة والسرقة وزيادة تكلفة الحراسة والأمن لممتلكاتهم وأصولهم، إضافة إلى أن 61 في المائة منهم يعتقدون أن السلطات الأمنية لا تحميهم بالقدر الكافي. وبين 85 في المائة منهم أن هناك صعوبة في توقع الإجراءات والأحكام القضائية، وأن إجراءات المحاكم بطيئة جدا، حيث تطابقت شكوى رجال الأعمال من صعوبة توقع الإجراءات القضائية وبطئها وعدم كفاية الإجراءات الأمنية مع نتائج تقويم وضع المملكة بالمعايير الدولية، استنادا على مؤشر سيادة القانون الذي يعد أحد مكونات معيار الإدارة الرشيدة وحصلت فيه المملكة على مرتبة متأخرة بين الدول موضع المقارنة. وأوضح المستثمرون إن العائق المتمثل في «الأمن، والقضاء، والنظم والتشريعات الحكومية» يحتل المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد لوائح ونظم العمالة، وأن هذين العائقين يمثلان أكثر العوائق خطورة على البيئة الاستثمارية بالمملكة، وأنهما يمثلان نظماً وتشريعات حكومية لا تلاقي قبولا من رجال الأعمال، كما أشار 57 في المائة من رجال الأعمال أنهم أحجموا عن الاستثمارات بسبب صعوبات تتعلق بتطبيق اللوائح والنظم والتشريعات الحكومية.وقال رجال الأعمال إن العائق الثالث يتمثل في اللوائح والقوانين والإجراءات التي يواجهونها عند الدخول في النشاط، وقد تطابق ذلك الترتيب مع نتائج المؤشر الفرعي لقاعدة بيانات بيئة أداء الأعمال للبنك الدولي، المتعلق بتأسيس الكيان القانوني للأعمال، حيث احتلت المملكة المرتبة 147 من بين 155 دولة على مستوى العالم. أما فيما يتعلق بالمشاكل الخاصة بالعلاقات الاتصالية بين موظفي الأجهزة الحكومية وموظفي القطاع الخاص، أفاد 80 في المائة من رجال الأعمال أن هناك فجوة اتصالية كبيرة تؤثر على بيئة الاستثمار، وأن هذه العلاقة ازدادت سواء عما كانت عليه قبل خمس سنوات، وأن هناك مشكلة في التعامل مع موظفي الأجهزة الحكومية بالفروع خارج العاصمة بسبب المركزية وعدم تفويض الصلاحيات لمديري الفروع. كما أن هناك شكاوى من قبل سيدات الأعمال من المعاملة التمييزية ضدهن بالأجهزة الحكومية مع قلة وجود إدارات نسائية، ما يؤدي إلى عدم القدرة على التعامل المباشر والميسر مع المسئولين، وأكبر دليل على التعقيدات الروتينية الإدارية هو التعامل من خلال المعقبين. واتفقت شكاوى رجال الأعمال من حيث عدم الشفافية في الإجراءات والاتصالات مع الأجهزة الحكومية والتي تؤدي إلى انتشار الفساد المالي والإداري، مع نتائج مؤشر الضبابية والذي احتلت المملكة فيه المرتبة 39 من بين 48 دولة، فضلا عن أنها احتلت المرتبة الأخيرة مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي حسب معيار البيروقراطية الذي يقيس مدى تأثير الإجراءات المعقدة على الإدارة الرشيدة. واعترف 77 في المائة منهم باللجوء لإتباع طرق ملتوية لإنهاء أعمالهم بسبب وجود الفساد الإداري والمالي بالأجهزة الحكومية، حيث أفاد 65 في المائة منهم أنهم يلجأون للواسطة، و 35 في المائة منهم إلى أساليب أخرى من بينها الرشوة. وذكر رجال الأعمال إن التعقيدات الروتينية والبيروقراطية الموجودة بالأجهزة الحكومية أدت إلى إهدار 27 في المائة من وقت الإدارات العليا للشركات في إنهاء مشاكل مراجعة تلك الأجهزة، ما يؤثر على الإنتاج والتشغيل والتسويق.