تلعب الدولة أدواراً متنوعة وجديدة في اطار النظام الاقتصادي الجديد المتميز بالمنافسة والتحرر من اهمها العناية بأداء الجهاز الاداري والعمل على رفع فاعليته وقدراته، وتعزيز فاعلية البنية التحتية الجيدة التي تساعد على نمو اقتصادي مستمر ووضع معايير قوية لرفع كفاءة التعليم والتدريب وربط ذلك باحتياجات المجتمع من الموارد البشرية، وإصدار الانظمة المالية والادارية، والاهتمام بايجاد نظام نقدي مستقر، كل ذلك من أجل تعزيز النمو الاقتصادي المستمر. أدوار جديدة ومع تحولات العولمة الاقتصادية وتحدياتها بات من الصعب على الدولة الإمساك بمهامها أو أدوارها ووظائفها التقليدية إن جاز التعبير، فالدولة ربما تخلت أو في طريقها للتخلي عن دورها في انتاج الخدمات والسلع واتجهت الى الاهتمام بتنظيم ومراقبة اقتصاد السوق والتأكد من أنه يعمل بكفاءة ووفق آلياته المناسبة وتطبيقاته التي تؤدي إلى إيجاد بيئة اقتصادية تعزز النمو المستمر المعتمد على القطاع الخاص وتوفر فرصاً متساوية للعمل والانتاج. وهكذا فان التقنين الجديد لدور كل من القطاعين العام والخاص لابد وان يواكبه قيام علاقة بينهما هدفها الاساس دعم التنمية الوطنية والحرص على خدمة المجتمع والعمل لمصلحة الطرفين في آن واحد. ومن هنا اكتسبت العلاقة بين القطاعين العام والخاص أهمية بالغة في عالم اليوم. تتسم العلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص بكونها علاقة شراكة تنموية مستديمة لا غنى فيها لقطاع عن الآخر، ولها طبيعة تكاملية وإحلالية في آن واحد، وذات طبيعة ديناميكية أي متغيرة بمرور الزمن. كما تنطوي هذه العلاقة على مجالات متنوعة منها التنظيمية والتشريعية والمؤسسية والإدارية والإجرائية والتنفيذية والرقابية والاتصالية والتمويلية والائتمانية والاستثمارية للموارد الاقتصادية (الطبيعية والرأسمالية والبشرية) والخدمية بأنواعها (الصحية والتعليمية والاجتماعية والتدريبية والتقنية والمعلوماتية وغيرها). وقد اضطلعت الدولة في المملكة بالادوار المعروفة وبدأت تشعر تحت تأثير المتغيرات الدولية خاصة في مجال الاقتصاد بأهمية التخلي عن ادوارها في انتاج السلع والخدمات للقطاع الخاص الذي اصبح يضطلع بتمويل انشاء العديد من المشاريع الصحية والتعليمية والاشغال العامة والمشاريع الانتاجية والخدمات الاجتماعية الصناعية والتعدينية. وتجاوزت قدرته احتياجات السوق المحلية الى اسواق التصدير العالمية في مجال المنتجات. وقد تنوعت وسائل الدعم الحكومي للقطاع الخاص فبالاضافة الى توفير البنى التحتية قدمت صناديق التمويل الحكومية القروض الميسرة لمنشآت القطاع الخاص بما يدعم قدرتها الاستثمارية. وقد بلغ مجموع القروض منذ بدء ممارسة انشطتها الى نهاية 2003م نحو 301,4 بليون ريال، في حين شكل رصيد القروض القائمة نحو 153,4 بليون ريال في نفس العام، ولقد تنوعت نشاطات هذه الصناديق لخدمة القطاعات المختلفة بما يتلاءم مع استراتيجية تنويع الهيكل الاقتصادي للمملكة. وقد انعكست هذه المبادرات المختلفة على اداء القطاع الخاص حيث شهد نموا بمعدل حقيقي سنوي قدره 4,3٪ في الفترة بين 1999م و 2003م، كما ارتفعت مساهمته في الناتج المحلي بالاسعار الثابتة من 42,2 عام 1999م الى 43,8 عام 2003م. اما فيما يتعلق بالاستثمارات فقد شكلت حصة القطاع الخاص نحو 74٪ من اجمالي تكوين رأس المال الثابت الاجمالي في عام 2003م. إعادة هيكلة مستمرة نتيجة للتطورات العالمية في مجال الاقتصاد ومواكبة لمراحل التطور التي شهدها الاقتصاد السعودي واستمرارا لتعزيز كفاءته على التوظيف الامثل للموارد فقد تواصلت الخطوات التطويرية ضمن اعادة هيكلة الاقتصاد والمتمثلة في انشاء بعض المؤسسات الاقتصادية المهمة مثل المجلس الاقتصادي الاعلى، والمجلس الاعلى لشؤون البترول والمعادن، والهيئة العامة للاستثمار، والهيئة العليا للسياحة وصندوق تنمية الموارد البشرية، وإقرار نظام الاستثمار الاجنبي، ونظام تملك غير السعوديين للعقار واستثماره، وتعزيز التوجه نحو التخصيص. وقد استهدفت جميع هذه الخطوات علاوة على رفع كفاءة الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستغلال الامثل لموارده ورفع مستوى المعيشة الى اعطاء القطاع الخاص دورا اكبر في المشاركة بالتنمية الاقتصادية. وفي اطار الاجهزة الحكومية كان صدور الامر السامي عام 1420ه القاضي بتشكيل ( اللجنة الوزارية للتنظيم الاداري) بمثابة اعادة هيكلة ادارية للاجهزة الحكومية لتحسين نوعية الخدمات المقدمة عن طريق زيادة الفاعلية التنظيمية، وتخفيض كلفة التشغيل للجهاز الحكومي، وزيادة درجة التكامل مع القطاع الخاص والانفتاح عليه وتشجيع دوره في التنمية الشاملة وتخصيص الممكن من النشاطات الحكومية أو ادارتها بالاسلوب التجاري، وتعزيز المؤسسية والعمل الجماعي والتنسيق المشترك في الاجهزة والمؤسسات الحكومية. وبفضل التغييرات العديدة التي طرأت على دور الدولة وتأثيرات الحراك الاقتصادي اصبح القطاع الخاص ركيزة اساسية من ركائز النمو الاقتصادي والاجتماعي وتثبت المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية اهمية القطاع الخاص من حيث مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي. ويتوقف حجم وطبيعة وأهمية الدور الذي يلعبه كل قطاع في العملية التنموية، على طبيعة النظام الاقتصادي السائد بالدولة، وهيكل اقتصادها الوطني ومرحلة تطوره، وبقدر ما يتحقق من توافق وانسجام في هذه العلاقة أو الأدوار المنوطة بكل قطاع في مختلف المجالات السابقة الإشارة إليها، تتحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالدولة بمعدلات أسرع وأكبر والعكس صحيح. وتحت ظروف المملكة العربية السعودية في خطط التنمية السابقة وما اتسمت به من وجود الدعم الحكومي والحماية الجمركية للسلع والخدمات المحلية وتولي الدولة تنفيذ العديد من المشروعات العملاقة في الأنشطة الإنتاجية والخدمية المختلفة لحاجة المجتمع إليها وعدم توفر الامكانات المالية والفنية لدى القطاع الخاص في ذلك الوقت لتنفيذها، وسيادة مركزية التخطيط، وجميعها من الأمور التي كان لها بالغ الأثر على سيادة أنماط معينة من العلاقات بين القطاعين الحكومي والخاص، وتنامي دور ومساهمة القطاع الحكومي في الناتج المحلي الإجمالي والتنمية بوجه عام. ولما كانت التنمية الاقتصادية بالمملكة تتم الآن في ضوء تقليل أو رفع الدعم الحكومي والحماية الجمركية لأدنى حد ممكن وتقليص دور الدولة في إدارة المشروعات والأنشطة الإنتاجية والخدمية، وفي ظل تنامي استثمارات القطاع الخاص في السنوات الأخيرة للتعويض عن التناقص في الاستثمارات الحكومية وتوافر سيولة كبيرة لدى القطاع الخاص وتبني الدولة لاستراتيجية التخصيص وانضمامها لمنظمة التجارة العالمية وهي جميعها من الأمور التي تشير الى أن العملية التنموية الآن أصبحت تسير في ظل ظروف وأوضاع اقتصادية مختلفة تماماً عن نظيرتها السائدة بالماضي، وهو ما يعني أن الأدوار والعلاقات السائدة في الماضي أصبحت غير صالحة للتعامل بها في الوقت الحاضر أو المستقبل وأن هناك حاجة ماسة وسريعة لتعديل مسار الأدوار وتطوير العلاقة المستقبلية بين القطاعين على أسس جديدة وبما يخدم إدارة العملية التنموية بكفاءة أفضل. وبمعنى آخر فإن التحدي الأكبر الذي يواجه اقتصاد المملكة في الفترة المقبلة يتمثل في قدرته على التكيف والتطور مع متطلبات الاقتصاد العالمي ومتغيراته وإيجاد موقع للمملكة على خريطة التنافسية العالمية. وهو ما يتطلب إصلاح بيئة الاستثمار المحلي وتطوير الأدوار والعلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص من خلال استراتيجيات جديدة. معوقات الاداء وبالاشارة الى كل صور التعاون والتشابك بين القطاعين فان هناك جملة من المشاكل تعترض تنمية وتطوير العلاقة بين القطاعين الحكومي حيث ان الكثير من رجال الأعمال يشتكون بأن هناك صعوبة في التوقع بالإجراءات والأحكام القضائية وبطء إجراءات المحاكم، ويشير مستثمرون بأن إجراءات التقاضي وتنفيذ الأحكام القضائية وعائق لوائح ونظم العمالة يمثلان أكثر العوائق خطورة على البيئة الاستثمارية بالمملكة وكلاهما يمثلان نظماً وتشريعات لا تلاقي قبولاً من رجال الأعمال. ومن المعوقات التي يشير اليها رجال الأعمال ايضا وجود فجوة اتصالية كبيرة تؤثر على بيئة الاستثمار، وأن هذه العلاقة لم تتجه نحو التحسن. كما يمكننا الاشارة الى شكوى سيدات الأعمال من المعاملة التميزية ضدهم بالأجهزة الحكومية مع قلة وجود إدارات نسائية بالأجهزة الحكومية مما يؤدي إلى عدم قدرتهن على التعامل المباشر والميسر مع المسئولين، ويمثل التعامل من خلال المعقبين أكبر دليل على التعقيدات الروتينية الإدارية وعدم نجاح الأفراد من أصحاب المصلحة في التعامل مباشرة مع الأجهزة التنفيذية بسهولة ويسر. وبجانب تعقيدات الروتين والبيروقراطية فهناك الشكوى من قبل الإدارات العليا للشركات التي تقضي جانبا كبيرا من وقتها في إنهاء مشاكل مراجعة الأجهزة التنفيذية وهو ما يؤثر على وقتها المخصص للإنتاج والتشغيل والتسويق.. هذا فضلاً عن تدني ومحدودية نسبة تمثيل القطاع الخاص (20٪ فأقل) في لجان ومجالس اتخاذ القرارات الاقتصادية في بعض القطاعات وهو الأمر الذي يؤدي لصعوبة توقع المستثمرين بالتغيرات في اللوائح والنظم وتخوفهم من التغيرات المهمة فيها. وكذلك البطء الشديد في سير برنامج الخصخصة بسبب عدم وجود جهة أو جهاز متخصص ومستقل عن الأجهزة الحكومية ومتفرغ لمتابعة سير العمل في تنفيذ استراتيجية التخصيص، وعدم وجود آلية تنفيذ محددة ببرنامج زمني. ومن ضمن المعوقات التي انتهت اليها الدراسات القطاعية أن القطاع الخاص لا يتبنى الكفاءات السعودية الشابة ولا يمول تكاليف دراسات جامعية أو بحوث تطويرية أو برامج تدريب. وسيادة النزعة الفردية على المشتغلين بالقطاع الخاص ومقاومتهم التوجه نحو التكتل والاندماج وهو ما يحرمهم من ميزة الاستفادة من وفورات حجم الإنتاج الكبير والتي تنعكس في خفض تكلفة الوحدة المنتجة وزيادة المقدرة التنافسية للسلع والخدمات المحلية. تشخيص واقعي يستهدف التجويد ان الاشارة الى حزمة المعوقات تأكيد حقيقي على توفر الادراك والاستيعاب الكافي والنوايا الحسنة لدى القطاعين بضرورة تجاوز كل ما يطرأ من اخفاقات من اجل تهيئة بيئة اقتصادية تملك من الامكانات والاستعدادات وآليات العمل التي توفر كل الشروط الموضوعية بغية قيام شراكة تقوم على قناعة ان تعظيم العائد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي امر اساسي وحيوي. حيث تركز تنمية هذه الشراكة بصفة اساسية على الانتقال من الشراكة السلبية الى نوع من الشراكة الفعالة التي تضمن كفاءة توزيع الادوار الفاعلة بين كافة الاطراف المعنية في صناعة القرار واتخاذه وتنفيذه من خلال ضبط توازن المصالح خلال هذه المراحل المختلفة. ان آفاق الشراكة المستقبلية بين القطاعين الحكومي والخاص تستلزم من المشتغلين في القطاع الخاص ان يكونوا مؤهلين للعب دور الشريك القادر على قيادة عملية التنمية في ظل توافر اعداد كافية من المنضمين والرواد من رجال الاعمال مم لديهم القدرة على تحمل اعباء مسؤولية قيادة التنمية في ظل توافر مناخ استثماري ملائم.