توشك عقارب الساعة أن تتحد لتعلن عن بدء الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل ولا يزال الغريب يسير بخطى وئيدة مستديراً بجسده ناحية الساعة وقدماه تتجهان ناحية الغرب حاملا بيده حقيبة مليئة بالمذكرات والصور والهدايا التذكارية، تكاد تتفتق جوانبها لشدة الزحام الإيديولوجي لمحتوياتها، الكل ينظر ناحية الغريب وساعة الحائط، ثمة علاقة بينهما فكلما استدار جسده باتجاهها دقت أجراسها الحزينة وكأنها تودعه وداعا أبدياً وهي ترسل ذبذباتها عبر الهواء الى أذنيه لتحدث فيهما صخب الطفولة المفعمة بأريج الأحزان والبؤس، لقد اتحدت العقارب وحان الرحيل، انفض الحشد من حوله لم يعد هناك داع لتجمهر، لقد أسدل الستار على آخر مشاهد الوداع. الجميع بدأ يترقب بحذر موضوع خطواته خوفاً من الانزلاق في هوة لا قرار لها لا أحد يلتفت إلى الوراء الخوف يداهمهم في كل مكان لا يعرفون كيف يلتقطون أنفاسهم بهدوء فلا تزال ضمائرهم تدب فيها الروح من حين لآخر، وهذا ما جعلهم يزدادون قلقاً كلما آلمهم وخزها الحاد. هم يدركون أن مصيرهم معلق بساعة الحائط إلا أنهم لا يريدون أن يروا بشاعة ما سيحل بهم مع أنه لا مفر من الانصياع لنداء الساعة حينما يحين دورهم. وقف الغريب وأخذ يتأمل الفناء الواسع برغبة بكائية عارمة، أحس باختناق شديد دفعه لأن يزحزح ربطة عنقه ويفك الأزرار الواحد تلو الآخر حتى انكشف صدره ليواجه عوامل الطبيعة المتقلبة. ومع أول اختبار لصموده ثارت جميع أطراف جسده المتهالك وكأن كل طرف يريد الانتقام من الطرف الآخر حتى اختل توازنه فسقط مغشيا عليه مما جعل الرياح تستنفر كل قوتها فاقتلعت الأشجار من جذورها وعاثت في أرجاء الفناء إلى ان هوى جذع شجرة على رأس ذلك الغريب، فتناثرت الدماء على الحائط مشكلة خطوطا في جميع الاتجاهات تحيط بساعة الحائط وكأنه نقطة الالتقاء.