أنهى حزب نداء تونس مؤتمرهُ التأسيسي الذي اعتبره الملاحظون منعطفا حاسما في مصير ومستقبل الحزب الحاكم والبلاد بصفة عامة بعد الانقسام الذي شهده والذي تسبب في حبس أنفاس الحياة السياسية والاجتماعية وعطل المسيرة الإصلاحية التي كانت من أهم بنود برنامجه الانتخابي والتي بمقتضاها نال رضا الناخبين ورفعوه لسدة الحكم. ولكن وباختلاف شقين فاعلين داخله وتضارب رؤاهما واختلاف مواقفها دخل الحزب في دوامة من الشك والتذبذب وبالرغم من المساعي التي بذلت للتوفيق بينهما، فقد أصر كل شق على موقفه فكان الانقسام المر الذي تأكد بانعقاد المؤتمر التأسيسي الذي دعت إليه لجنة 13 التوافقية والتي استجاب لها الشق "العقلاني" شق حافظ قائد السبسي - كما يسميه البعض – وشهد المؤتمر حضور لافت لقيادات سياسيّة كبرى في تونس في طليعتها رئيس الجمهوريّة مما شكّل حدثا كبيرا أزال المخاوف التي سبقت انعقاده. وبرغم الأجواء "الساخنة" التي رافقت أشغاله على مدى يومين فإن الحصيلة كانت مرضية بتأكيدها على ثوابت التوافق ونبذ الإقصاء والانفتاح والتعايش مع الآخر وأن مصلحة الوطن فوق الجميع. وأهم ما يمكن ملاحظته من خلال المؤتمر التأسيسي الأوّل لنداء تونس هو انفتاحه على التيارات الفكريّة والسياسيّة الكبرى واحتضانها تحت سقف واحد بما في ذلك حركة النهضة التي خص زعيمها راشد الغنوشي باستقبال حار غير مسبوق مما يؤكد على انطلاق مرحلة جديدة من تاريخ تونس وطي صفحة لا أحقاد ولا ضغائن فيها وفتح صفحة جديدة بين الجميع قوامها مصلحة تونس أولا وأخيرا. وإعلاء راية الوطني فوق الانتماءات الحزبيّة والمصالح الضيّقة. الشق المستقيل والمنسلخ عن "حركة نداء تونس" عقد بدوره اجتماعا بالتوازي مع انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب بقيادة محسن مرزوق للإعلان عن بعث حزب جديد بعنوان "تجديد المشروع الوطني العصري" وقد شهد هذا الاجتماع حضور العديد من الوجوه السياسية وجماهير غفيرة، وأكد محسن مرزوق خلاله أن "هذا الحزب يريد أن يكون عمله الأساسي هو العمل القاعدي والأهلي والمحلي وسيكون هذا الحزب المنافس الأول أمام الأحزاب الكبيرة المتواجدة الآن وأنه سيشارك في الانتخابات البلدية القادمة وقال أن كل المؤشرات للمشهد السياسي الحالي تؤكد أننا سنكون في هذا الموقع. وبيّن محسن مرزوق بخصوص الكتلة النيابية الجديدة (المنشقة عن حزب نداء تونس) أن "الكتلة ستكون في موقع المتابعة لا في الموقع الكلاسيكي للمعارضة، أما بالنسبة للتحالفات مع أطراف أخرى فإنه سيتم عقد اجتماع قادم لتحديد الإستراتيجية وأكد محسن مرزوق إنّه سيطلق قريبا استشارة وطنية تشمل مليون مستجوب لتحديد تصور التونسيين لمشروعه السياسي الجديد والصيغة التي سيكون عليها هذا المشروع، قائلا أنّ "الناس ملّت العمل السياسي وفقدت الثقة في الأحزاب السياسية القائمة وأنا أوّلهم"، وأوضح أنّه سيُطلب من المستجوبين تحديد أهداف هذا المشروع السياسي وطرق وأساليب عمله وما ينتظرونه منه. هذا الحال جعل حزب النهضة الاسلامي الكتلة البرلمانية الأولى في تونس بعد أن استقال نائبان آخران من نواب حزب نداء تونس العلماني امس احتجاجا على تعاظم دور نجل الرئيس التونسي في الحزب. وباستقالة النائبين من نداء تونس الذي يعاني من انقسامات حادة أصبح حزب النهضة صاحب 69 مقعدا في البرلمان في الصدارة متقدما على نداء تونس الذي تراجع عدد نوابه إلى 67 نائبا في البرلمان الذي يضم 217 عضوا. ولن تشكل استقالة نواب من النداء تهديدا لاستقرار الحكومة على الأرجح ولكنها تأتي في وقت حساس تكافح فيه تونس لاحتواء الخطر المتزايد للجماعات الإرهابية وإنعاش الاقتصاد العليل.