ليس الفرد هو ثروة الوطن الحقيقية ما لم يكن متسلحاً بالعلم والمعرفة ومدركاً لقيمة دوره الحقيقي تجاه وطنه ومجتمعه، فما الفائدة من كثرة العدد في أمة ما إذا لم ساهموا مساهمة فعالة في نهضتها ورقيها والرفع من شأنها، كم من بلدان قليلة السكان لكنها أبدعت وتفوقت في مجالات مختلفة، وكم من بلدان يوجد لديها زيادة كبيرة في السكان ولكن أصبحت تلك الزيادة في عدد أفرادها نقمة عليها، وباتت تسعى إلى تقنين النسل بغية الإصلاح الداخلي والارتقاء بمستوى شعبها، إذاً العبرة ليست بالكثرة بل في نوعية - الإنسان - الذي تنتجه هذه الأمة وطبيعة الشعب.. أعتقد أن الثروة الحقيقية الأكبر للوطن هي الفرد المبدع بتفوقه والمتميز بعلمه، والمنسلخ من أغلال الجهل والفقر والوهن،، والقادر على إعطاء صورة مشرفة عن وطنه بسلوكه وطريقة تعامله مع من حوله ورؤيته للأمور بأفق واسع وشفافية عالية.. كم من الخير سنقدمه لديننا ووطننا عندما نتعاون ونكون يداً واحدة لننتج أجيالاً ذات همم عالية وطاقات مستغلة.. (عقل الإنسان) ذلك التكوين الصغير الذي يحوي في داخله إعجازاً إلهياً - سبحان من سواه - هو ما نحتاج لاستثماره إذا أردنا حضارة وتقدماً يختصر لنا الطريق لتعيدنا إلى مصاف الأوائل بين الأمم.. نحن بحاجة إلى صياغة هذا الإنسان وإعداده منذ صغره وهنا يتمثل دور الأسرة التي من المفروض أن تلعبه بحيث تغرس في داخله الايمان الحقيقي الذي يملأ روحه ويشبع حواسه، وأن نكون قدوة حية في ذلك من خلال تصرفاتنا السلوكية بحيث لا تكون تربيتنا لأبنائنا معتمدة على التلقين المجرد من التطبيق الفعلي.. يجب أن نفتح مع أبنائنا باب الحوار اللامحدود، وأن نجادلهم وأن نناقشهم - سواء كانوا صغاراً أو كباراً - وأن نعطيهم مساحة مناسبة لإبداء الرأي واتخاذ القرار، بحيث نشعرهم - وهذا حقيقي - بأن كل شخص خلقه الله له قيمة وحقوق كإنسان مستقل في تفكيره ومنطقه، له اهتماماته الخاصة وأهداف يسعى إلى تحقيقها في هذه الحياة... كذلك الأمر في المدرسة بمختلف مراحلها التي لا تزال عاجزة عن القيام بدورها كما هو مطلوب رغم أن الكثيرين وخاصة الفتيات يعتبرنها متنفساً لهن.. نحن لا نطالب بمدارس ذات امكانات عالية ووسائل متطورة بقدر ما نطالب بمعلم أو معلمة يعيان تماماً حجم مسؤوليتهما بحيث نسلمهم عقول أبنائنا وافئدتهم وكلنا اطمئنان وثقة بأنهم يعرفون وظيفتهم الحقيقية وقادرون على توظيف طاقاتهم والإجابة عن تساؤلاتهم وقادرون أيضاً على تنمية القيم السامية بداخلهم وحب الوطن وبالتالي زيادة رغبتهم بخدمة دينهم.. علينا انتقاء المعلمين والمعلمات بحيث يتم اختيار من يثبت حبه لمهنته من المخلصين في أعمالهم الذين يعملون بموجب ما تعلموا من علم دون اجتهادات لا أساس لها وهذا كفيل بأن يثبت ما يعلمونه في أذهان تلاميذهم قال تعالى: {ولو أنهم فعلوا مايوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً} النساء: 66. لذا يجب على المسؤولين عن التعليم عندنا أن يصدروا التوجيهات التي من شأنها أن تطور دور المعلمين والمعلمات بحيث يكون هناك دورات مكثفة ذات نوعية عالية لهم حول أفضل السبل للتعامل مع الطلاب والطالبات بطريقة تحترم عقولهم وتقدر اهتماماتهم والابتعاد عن أسلوب التلقين والإملاء وفرض وجهات النظر على التلاميذ بالقوة وهو الأسلوب الذي أثبت فشله، فمن السهل أن تحمل العصا وتطلب من الآخرين إتباعك ولكن من الصعب أن تحصل بهذه الطريقة على اقتناع واعتقاد حقيقي بل على العكس ستنتج جيلاً غير قادر على الدفاع عن آرائه وأفكاره لأنه اكتسبها بلا قناعة ومفتقداً أيضاً للحصانة الذاتية التي تجنبه الوقوع في الخطأ... ومن جانب آخر على المختصين والباحثين تكثيف الدراسات التي تهتم بالأسرة في مجتمعنا ودراسة أبرز مشاكل التربية التي تواجهها ووضع حلول لعلاجها بطريقة فعالة.. ولو قمنا بدراسة الحياة الأسرية والاجتماعية لأرباب السوابق والجريمة ووضعنا أيدينا على الأسباب التي أدت إلى انحرافهم لوجدنا غالباً ضعفاً وإهمالاً في التربية وخللاً في التوجيه وجفافاً في منابع الاحتواء والعطف أو حرماناً من مطالب فطرية أساسية لم يقابلها تعويض لها بأي شكل آخر... إن التخطيط والعمل بطريقة سليمة لا تكلفان الكثير من المال والجهد لكنها ستبني - إنساناً - نحن بحاجته يعطي أفضل ما لديه بإرادته دائماً بدون إيعاز من أحد..