في اللحظات التي اعجز فيها عن البكاء اتظاهر أني بخير وشيء ما يخنق داخلي. أعود فوراً بالذاكرة إلى أول رحلة الى "جدة" مع عائلتي في طفولتي، لا اذكر كم كان عمري، يكفي ان اذكر تفاصيل الرحلة وكأنها بالأمس. جدة القريبة من مقر اقامتنا كل صيف في "الطائف" لظروف عمل والدي لم نعرفها إلا بالاسم، والبحر لم نره إلا من خلف الشاشات. كانت الرحلة تاريخية لحضور زفاف ابنة جيراننا في الرياضوالطائف وحياة مشتركة جمعتنا معاً في كلا المدينتين. حضر والدي بسيارة كبيرة "GMC" كانت يومها سيارة عظيمة. وصلنا جدة وكأننا في مدينة الحلم.. حضرنا الزواج والمطربة تحتضن العود في منظر لافت شدني واخوتي لهذه الحياة المختلفة. في اليوم الثاني نتجهز صباحا لغداء على شرفنا عند قريبنا، كل ما أذكره الطريق وشوارع جدة واصررت على والدي لرؤية البحر. والدي كان صامتاً كحاله في كل رحلة ومشوار فلا يتحدث الا نادرا.. وحالنا جميعاً في السيارة. انا فقط من تتجرأ وتطلب.. لا أعلم سر صبر والدي علي من بين إخوتي.. ودلاله لي وهو الذي كان ينتظر ولداً بقدومي. انتهينها من الغداء واخذنا والدي وقريبنا إلى الكورنيش، وقفت بكل ذهول طفل امام البحر وامواجه وجماله، كنت ارتدي فستانا ابيض لم اخش عليه من الاتساخ بقدر ما خشيت أن ينتهي الوقت سريعاً. ناداني والدي وهو يحمل بالون هيليوم لم تره عيني من قبل.. كان فضياً لامعاً براقاً عانقت والدي وركضت كثيراً حتى اعتقدت اني اطير بلا اجنحة. وفي لحظة فرح وعفوية افلته وطار سريعاً لم اكن اعلم انه يحلق عالياً جدا اذا افلته.. كنت ابكي واركض خلفه بلا فائدة لانه كان عالياً جداً. أوقفني والدي الذي لا يحب البكاء.. ونهرني بشدة كيف ابكي على شيء افلته ولا يستحق. كان ابي الوحيد الذي يجعلني ابتلع دموعي واخنق نفسي بعبرتي لاني احبه ولا اريد عصيانه بدموع. حفر والدي في قلبي عبرة مخنوقة ودمعة مسكوبة بلا بكاء. وحفر البالون في قلبي ندباً لا يندمل لكل فرصة حياة مرت وافلتها من يدي او تسببت رياح عاتية في حزني واختناقي.