كما نستورد ونستهلك كل شيء يجود به الغرب وأمريكا، تلهينا آراء وأفكار بعض تلك الدول التي تعرف كيف تنسج مواقفها بما نزعم أنه خطوة محايدة في صراع طويل.. بريطانيا كشفت أن إسرائيل تسعى لتهويد القدسالشرقية، وكونها المصدر فقد تحتج تل أبيب وتحوّل الأمر لصالحها، لأن من تكلم عن هذه القضية هو من مكّنها بالاستيطان ومن ثم تشكيل كيانها بخطط ومساعدات بريطانية، وعلى نفس السياق، دخلت ألمانيا بقوة بتسليح إسرائيل بغواصات وإمكانات فنية سرية، وهي الممنوعة بزيادة قوتها أو انتشار عساكرها، أو دخولها بصفقات سلاح مع العالم الخارجي، إلا بإذن مسبق من أمريكا، والدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لكن باعتبار أن المستفيد هي إسرائيل، فإن المعنى يتصل بتكفير الذنوب عن سوابق النازية التي تلاحق أضرارها الأجيال الألمانية، وأيضاً ترضية لأمريكا، وهنا لا يوجد خلاف بين أهداف ألمانيا وبريطانيا، إذا ما كانت إسرائيل المستفيد الأول. ففي قضية تهويد القدسالشرقية، يمكن لبريطانيا أن تصعّد الموضوع، إذا كانت جادة، إلى مجلس الأمن طالما هي عضو فاعل ومؤسس فيه وتسعى إلى دور إيجابي في قضية معقدة كانت من صنعها، ونحن على علم أن الموضوع لن يعدو أكثر من إثارة تخمد أو تخمدها إسرائيل في ظرف عدة أيام.. وإذا كنا لم نتعود مواقف إيجابية من الدول الغربية، إذا كان الطرف في الأمر إسرائيل، فالغريب أن ألمانيا التي تسعى لفتح قنوات جديدة مع الدول العربية والعالم الإسلامي تعلن، بلا تحفظ، تسليح إسرائيل، وإذا ما أضيفت الحسومات السنوية من دافعي الضرائب من الشعب الألماني لتعويض إسرائيل عن مجازر النازية ومحارقها، فإنها لم تكن على عداء مع العرب، لكنها بالصفة والفعل دولة أوروبية وهذا وحده يجعلها على نفس المواصفات مع دول القارة في الانحياز التام لكل ما هو إسرائيلي. العرب، والمسلمون مصنفون من الغرب كأعداء، وإذا ما أضفنا للميراث التاريخي وجود النفط داخل أراضيهم، فإن الأسباب للعداء تتضاعف وهنا تصبح الأمور مجردة من التعادل في المصالح واحترام كل طرف للآخر، وهذا لا يعني أن إسرائيل هي السبب الرئيسي فقط، وإنما هي جزء من خصومة تاريخية أعادت للغرب صورها وحالات الإرهاب الجديد، وأخرجت المكامن النفسية التي رأت بالشرق صورة المتخلف والقاتل، والمحتاج إلى الترويض ولو بالقوة، طالما الغرب وحده مصدر الحضارة والمثل العليا.