منذ أن قام اتحاد دولة الإمارات عام 1971 للميلاد، أخذ باني ومؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان (رحمه الله) على عاتقه مهمة إبراز الوجه الأصيل لشعوب المنطقة، وشجع كل ما من شأنه الإبقاء على الملامح التي عرف بها شعب الإمارات قبل ظهور ثروة النفط، وبذلك فقد أرسى زايد مبكرا شرطا مهما للنظر إلى المستقبل، وهو أن يتذكر المواطن ماضيه وبيئته وهويته الأصيلة، فقال مقولته الشهيرة: "من ليس له ماضٍ لا حاضر له ولا مستقبل". وتلك وصية لا يزال يحملها الجيل الثاني من قادة دولة الإمارات، ويحرصون على العمل بها ودعمها. وفي الوقت الذي تنطلق فيه الدولة إلى آفاق الحداثة والتطور التقني، وتفعيل مفاصل الدولة الحديثة في جوانبها الاقتصادية والسياسية والإدارية، فإنها لا تدخر جهدا في دعم الحفاظ على الأسس الأولى التي كان عليها الآباء والأجداد، بل إنها تحتل مراكز الصدارة بين دول العالم في الاهتمام بالموروث المحلي، كما أقامت شراكات كبرى مع منظمة اليونسكو ومنظمات عالمية كبرى مهتمة بهذا الشأن. ويقع بند "حفظ الموروث والعادات والهوية الوطنية" في قلب التخطيط الاستراتيجي لمؤسسات الدولة التعليمية والثقافية والتنموية. وبعد (44) عاما من الانطلاق نحو الحداثة، لا تزال الدولة تشجع وتدعم ماديا واجتماعيا ذوي الحرف الأصيلة، وفرق الفنون الشعبية، وترعى البحوث والدراسات التي من شأنها تدوين التراث المادي والمعنوى لمنطقة الخليج، بل إنها تقود جهود حفظ التراث العالمي وترعى أنشطتها ورزنامة أعمالها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تحتفل الإمارات سنويا باليوم العالمي للتراث وتنظم مهرجان تراث الإمارات، ومجموعة أخرى من المهرجانات التراثية الضخمة، من حيث التنظيم وعدد الزوار والمشاركين، كمهرجان الحصن ومهرجان الصيد والفروسية في أبوظبي، ومهرجانات مزاينة الإبل، وسباقات الهجن العربية الأصيلة، ومهرجانات جمال الخيول العربية الأصيلة محليا ودوليا، ومهرجان التمور في المنطقة الغربية بأبوظبي، فضلا عن مهرجانات الشعر ومسابقاته الكبرى في أبوظبي ودبي، والأجندة الثرية التي تلتزم بها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع سنويا لدعم حفظ التراث والهوية الوطنية. وتقدم الدولة دعما مباشرا لمراكز التراث في المدن والقرى، حيث توجد اليوم (31) جمعية للفنون والتراث في مختلف الإمارات، تتنوع أنشطتها بين البحر والحضر والبادية. وفي الشارقة افتتح أخيرا معهد الشارقة للتراث بتعاون مع مشروع "إيكروم" العالمي الذي اختار الشارقة مركزا إقليميا لنشاطاته في صون وترميم الممتلكات الثقافية حول العالم، عدا عن اختيار الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية العام الماضي. وتترأس الإمارات عبر المركز الوطني للوثائق والبحوث جدول أعمال مشروع "ذاكرة العالم" المعني بإنقاذ التراث العالمي وحفظه من الاندثار. وفي السياق نفسه، تلعب الإمارات الدور الأكبر عالميا في جهود حفظ التراث غير المادي، وتجدد بشكل مستمر دعمها لجهود حفظه، سواء على صعيد الحكومة الاتحادية أو الحكومات المحلية لكل إمارة، كما أسست مع الجزائر لاتفاقية بهذا الشأن عام 2003، وأطلقت مبادرة دولية لصون التراث عام 2009 شاركت فيها (114) دولة، ومنذ انطلاقها وهي تعقد المؤتمرات وترعى الأنشطة المختلفة المعنية بزيادة الوعي حول أهمية التراث الثقافي غير المادي والحفاظ عليه من الاندثار، محليا ودوليا. * كاتب وإعلامي إماراتي